- تُنظم مكتبة قطر الوطنية خلال الفترة من 1 مايو حتى 1 أكتوبر 2019 معرض الكعبة المشرفة الذي يُسلِّط الضوء على تاريخ الكعبة، قبلة المسلمين وبيت الله الحرام، ويتيح المعرض الذي تحتضنه منطقة العرض في المكتبة التراثية لرواد المكتبة فرصة نادرة للتفاعل مع مجموعة نفيسة من مقتنيات المكتبة التراثية الفريدة من المخطوطات والوثائق والكتب القديمة المطبوعة، والرسومات والصور الفوتوغرافية، التي توثق لأبرز الأحداث والمحطات في تاريخ الكعبة المشرفة، وتبرز مكانتها الروحية العظيمة في قلوب المسلمين.
يحمل المعرض أهمية خاصة خلال شهر رمضان الكريم الذي يمثل بأجوائه الإيمانية الخاصة مناسبة فريدة للتفكر والذكر والدعاء والعبادة وصلاة القيام، وفي كل يوم وليلة يتجه المسلمون شطر الكعبة خمس مرات في الركوع والسجود أثناء أداء الصلوات الخمس المكتوبة. فالكعبة توحد المسلمين في المكان وفي الزمان، فهي القبلة التي تذوب فيها الاتجاهات، وبالطواف حولها تختفي فوارق اللون والجنس واللغة، وعلى أعتابها تتوحد قلوب وأبصار المسلمين في خشوع وسكينة.
وجدير بالذكر أن خبراء مركز الحفظ والصيانة في المكتبة قد قاموا برقمنة وترميم جميع المواد المعروضة من لوحات الخط العربي والمنمنمات والزخارف والصور الفوتوغرافية والرسومات المطبوعة والمخطوطات القرآنية.
تقول عبير الكواري، القائم بأعمال مدير شؤون المجموعات المميزة في المكتبة: "يؤكد المعرض التزام المكتبة بالحفاظ على مجموعة من أهم المقتنيات التاريخية والدينية والثقافية في المنطقة. فالحفاظ على هذه المواد التراثية يمثل إضافة مهمة لجهود حماية التاريخ والهوية الإسلامية، وتوفر المكتبة البيئة المثالية التي تحفظ هذه المعلومات لأجيال المستقبل ليعرفوا المزيد عن نشأة دينهم وتاريخ عقيدتهم".
بناء الكعبة المشرفة
بنيت الكعبة المشرفة ورُمَّمت وأعيد بناؤها عدة مرات، وحول عمارة البيت الحرام يقدم المعرض مجموعة مذهلة من المخطوطات واللوحات والكتب والصور الفوتوغرافية والتحف الفنية واليدوية التي ترصد هذا الجانب من عمارة الكعبة من عهد ما قبل البعثة حتى العصر الحديث.
وقد وثق أحد البحوث التي ألفت حول عمارة الكعبة (المغرب، 1793) أن الكعبة بنيت 11 مرة في تاريخها، مع تفاصيل حول التغييرات المعمارية على الكعبة بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتلك التي حدثت في عهد السلطان مراد الرابع. بينما يتوج كتاب "تاريخ الكعبة المشرفة" (المطبعة العثمانية في القاهرة، 1886) جهود المسلمين في توثيق تاريخ الكعبة، وهو عبارة عن تجميع لروايات الصحابة والتابعين والعلماء حول تاريخ الكعبة وأهم الأحداث التي وقعت لها.
شهادات الحج
تتجلى الأهمية الدينية والروحية للكعبة والمكانة الكبيرة التي ينالها المسلم من زيارتها في العديد من الشهادات التي توثق الحج التي يُبرز المعرض نماذج لها. وفي القرنين الأخيرين، شاعت تقاليد الاحتفال بإتمام الحج من خلال شهادات الحج ورسم الجداريات على البيوت والمداخل والأعمال الفنية التي يوثقها المعرض بالصور الفوتوغرافية.
تبين المواد المعروضة أن وظيفة شهادات الحج تجاوزت تسجيل الحج، فالمساجد والأضرحة والمشاهد المذكورة، ورسم القدس وكتابة أسماء الصحابة والأحداث والغزوات والفتوحات في بداية الإسلام، هي دليل على أن الغرض من هذه الشهادات كان أيضًا تقديم شهادة بصرية لتاريخ الإسلام وأبرز شخصياته وأحداثه. وكانت اللوحات المطبوعة تُعلق غالبًا على البيوت والمساجد والمدارس كذكرى مرئية لمشاعر الإسلام المقدسة.
الكعبة في كتابات الرحالة غير المسلمين
يُبرز المعرض كذلك كتابات غير المسلمين الذين زاروا مكة المكرمة ووصفوا الكعبة وشعائر الحج والعمرة بالتفصيل، ومن هذه الكتب "القصة الشخصية للحج إلى المدينة ومكة" (1855) لسير ريتشارد بيرتون، وهو واحد من أوائل المسيحيين الإنجليز الذين زاروا مكة في عام 1853، ويقدم في كتابه وصفًا دقيقا للمشاعر المقدسة، بينما يحتوي كتاب "رحلتي إلى مكة" (هاتشيت للنشر، 1896) على صور فوتوغرافية التقطها المؤلف، جان جيرفيه كورتيلمو، وهو من أوائل الذين صوروا معالم مكة المكرمة والكعبة المشرفة.
زخرفة الكعبة وزينتها
من المواد البصرية النادرة صورة للكعبة المُكرمة يعتقد أنها أول صورة فوتوغرافية يلتقطها مصور عربي خلال زيارته لمكة في عام 1885. وتبين العديد من المواد المعروضة للزائرين زخارف الكعبة وكسوتها. ومن القطع المعروضة جزء من ستارة باب الكعبة المعروف باسم "البرقع"، صُنع في مصر في عهد الملك فاروق الأول (حوالي 1936). وتقول المصادر التاريخية، إن كسوة الكعبة القديمة كانت تستخدم كقماش تصنع منه الملابس، ومن الملابس المصنوعة من كسوة الكعبة في المعرض قفطان مصنوع من كسوة الكعبة في تركيا في القرن العشرين مُزخرف بآيات من القرآن حول الكعبة والبيت الحرام.
يحتوي المعرض على أكثر من 50 قطعة مختارة بعناية مثل "ترجمة معاني القرآن الكريم" (طبعت 1734)، وهي واحدة من أشهر وأقدم التراجم الأمريكية لمعاني القرآن الكريم، وهي للمترجم الأمريكي جورج سيل، وتحتوي على رسم تخطيطي للمسجد الحرام.
هذا المعرض المتميز هو شهادة على إسهامات المكتبة والتزاماتها في جهود حماية المقتنيات التراثية، من خلال الحفظ والصيانة والفهرسة والرقمنة، وإتاحتها لاطلاع الجمهور والباحثين والعلماء وطلاب العلم في جميع أنحاء العالم.
وتختم عبير الكواري حديثها قائلة: "ندعو أفراد المجتمع لزيارة معرض الكعبة المشرفة الذي تتجلى فيه صفحات التاريخ العميق لأقدس المشاعر الإسلامية، خاصة في شهر رمضان المبارك، الذي تغمرنا أيامه بمشاعر إيمانية فياضة، مما يقوي الصلة الروحية العميقة التي تربط بين أفئدة المسلمين والبيت الحرام على مر العصور".