حماية التراث العربي والإسلامي والحفاظ عليه ركيزة أساسية في رؤية مكتبة قطر الوطنية واستراتيجيتها. وتتجلى جهود المكتبة في صون كنوز التراث في إسهامات المكتبة التراثية لإثراء المشهد الثقافي في دولة قطر ومن خلال دورها كمركز الإفلا الإقليمي للدول العربية والشرق الأوسط. وفي هذا السياق تنظم المكتبة خلال شهر نوفمبر باقة زاخرة بالفعاليات التراثية التي تحتفي بالتفاعل الفكري بين الشرق والغرب في مؤلفات السيرة النبوية الشريفة، كما تسلط الضوء على قراءات فريدة من مخطوطات ومؤلفات التراث العربي والإسلامي وموضوعات أخرى عديدة.
في 4 نوفمبر تستضيف المكتبة محاضرة إلكترونية عن بعد يلقيها الدكتور عبد الرزَّاق مرزوك، أستاذ السيرة النبوية والدراسات الإسلامية في كلية الآداب، جامعة القاضي عياض بمراكش في المغرب. سيتناول الدكتور مرزوك نموذجًا من الاتصال العلمي في التأليف في السيرة النبوية، وهو كتاب الحافظ السُّهَيْلِيّ الأندلسيّ (ت 581 هـ / 1185 م) "الرَّوْض الأُنُف" الذي ألَّفه في تفسير سيرة "ابن هشام"، وما انتقده عليه الحافظ مُغَلْطاي المصريّ (ت 762 هـ / 1361 م) في كتابه "الزَّهْر الباسم"، وما جرى بين العَلَمين والعَمَليَن المشرقيّ والمغربيّ، من تواصلٍ علميّ معرفيّ، وتلاقحٍ ثقافيّ حضاريّ.
ويقدم محمود زكي المحاضرة بمدخل حول مجموعة مخطوطات السيرة النبوية بمكتبة قطر الوطنية، ومنها نسخة مملوكية من كتاب "الروض الأُنُف"، وغيره من نفائس مُصنَّفات المشارقة والمغاربة. وجدير بالذكر أن هذه الفعالية هي السادسة ضمن سلسلة محاضرات وجلسات تقدم قراءات لمجموعة من المخطوطات التاريخية النادرة المحفوظة في المكتبة التراثية.
في اليوم نفسه تستضيف المكتبة محاضرة أخرى خاصة بعنوان "حرد المتن في المخطوطات العربية المسيحية" بالتعاون مع مركز بيت غازو للحفاظ على إرث الكنائس الشرقية تتناول تجربة مركز بيت غازو في الدراسة والبحث لأهم المخطوطات العربية المسيحية في المنطقة المشرقية. يُشكّل "حرد المتن" إحدى الركائز الأساسيّة لدراسة المخطوطات، من حيث مسيرتها التاريخية والكتابية والتي تنتمي الى مكان وزمن معيّن، كما تحمل في طيّاتها الكثير من المدوّنات الهامّة لأشخاص وأحداث تاريخية واجتماعيّة وأماكن جغرافية. وتختم المخطوطات وتنهيها بطرق تختلف باختلاف الأشخاص والثقافة والمكان والانتماء.
وحول جهود الحفاظ على المخطوطات في موريتانيا، تنظم المكتبة في 9 نوفمبر محاضرة للتعرف على الدور الذي يضطلع به مختبر معالجة وحفظ المخطوطات في صيانة كنوز المخطوطات في مدينة شنقيط التاريخية التي تضم مكتباتها أكثر من 4 آلاف مخطوط موزعة بين 17 مكتبة أهلية تضم نوادر المخطوطات والوثائق في جميع المجالات، وتتميز هذه المخطوطات بكتابة بعضها على رق الغزال. يلقي المحاضرة المصطفى محمد صالح، مدير مختبر معالجة وحفظ المخطوطات في مدينة شنقيط، وهذا المختبر تابع للمؤسسة الوطنية لحماية المدن القديمة في موريتانيا التي صنفتها اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي في عام 1996.
وفي 18 نوفمبر تحتفل المكتبة التراثية بمناسبة اليوم العالمي للفن الإسلامي بعرض نماذج من بدائع الفن الإسلامي وتجلياته في مخطوطات المكتبة وذخائرها النادرة، ومن أبرز صور الفن الإسلامي كتابات الخط العربي، وفنون الكتاب المخطوط من الزخارف والمنمنمات والتجاليد، فضلاً عن العمارة ورسوم المستشرقين. تقدم المكتبة كذلك أمثلة لروائع الفن الإسلامي مثل المصحف المعروف بالمصحف الأزرق، وعددًا من الرُقوق القرآنية المبكِّرة، ونماذج من الفن المملوكي والعثماني، فضلاً عن نماذج فنية من الهند والصين وجنوب شرق آسيا، قديمًا وحديثًا.
وفي اليوم نفسه، 18 نوفمبر، تنظم المكتبة محاضرة بعنوان "صيانة التراث الوثائقي المكتوب بالأحبار الحديدية" بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الكويتية بمناسبة اليوم العالمي للفن الإسلامي لتسليط الضوء بشكل خاص على الممارسات العملية الخاصة بصيانة المواد التراثية المكتوبة وترميمها باستخدام الأحبار الحديدية، والمحاضرة من تقديم شيخه الخرسان، رئيس قسم الترميم والحفظ في مركز البحوث والدراسات الكويتية بالكويت.
وفي إطار دورها كمركز الإفلا الإقليمي لصيانة مواد المكتبات والمحافظة عليها في الدول العربية والشرق الأوسط، تنظم المكتبة خلال الفترة من 22 إلى 24 نوفمبر دورة تدريبية للمساعدة في مكافحة تهريب الأعمال الفنية، وذلك ضمن مشروع حماية. تتضمن الدورة التدريبية التي يقدمها سيدني شيشي عطالي، محامي الملكية الفكرية والفنون في باريس، مدخلًا للأطر القانونية الإقليمية والدولية التي تتعلق بتداول المواد الفنية والثقافية، ونبذة عن الحرص الذي يجب أن يتحلى به جميع العاملين في مجال الفنون والتراث من أجل تقييد المخاطر المرتبطة بالأعمال الفنية المنهوبة، ودراسات الحالة المتعلقة باستعادة الأعمال الفنية لتوضيح القضايا المرتبطة بتهريبها وضرورة التحلي بالحرص والحيطة اللازمة.
ربما لا يعرف الكثيرون أن التراث العربي والإسلامي يزخر بالمؤلفات عن الأوبئة والطواعين. في 28 نوفمبر، تنظم المكتبة التراثية جلسة بعنوان "أدبيات الوباء في التراث العربي والدروس المستفادة لجائحة كوفيد-19"، وهي الجلسة السابعة من سلسلة "قراءات في مخطوطات مكتبة قطر الوطنية". فلم تكن جائحة كوفيد-19 التي نحياها اليوم أول جائحة يشهدها العالم، فقد شهد التاريخ البشري العديد من الأوبئة والأزمات الصحية والبيئية، من أشهرها ما عُرف بالطاعون الأسود أو الطاعون الجارف، كما أسماه المؤلِّفون العرب والمسلمون.
تتناول هذه الجلسة قراءة مجموعة من أدبيات الطاعون والوباء في التراث العربي، حيث يقدم محمود زكي، أخصائي المخطوطات بالمكتبة، قراءة لعددٍ من النصوص بمخطوطتي المكتبة من مؤلفي "بذل الماعون" لابن حجر العسقلاني و"مـَجِنَّة الطاعون والوَباء" لإلياس الإسباني، التي ألَّفها للسلطان العثماني بيزيد الثاني. وهو يركز على المشتركات الإنسانية بين الماضي والحاضر، وإشارات ونصائح طبية وقائية، نستشف منها كيف واجه السابقون أزماتهم وعبَّروا عنها، وهو ما يشبه الأجواء التي نعيشها اليوم بسبب جائحة كورونا.
يُعلِّق محمود زكي، أخصائي المخطوطات في المكتبة التراثية، على الفعاليات التراثية قائلًا: "تضم المكتبة التراثية مجموعة متنوعة من النصوص التاريخية والمخططات والتحف التاريخية النادرة التي تقدم بالإضافة إلى المعرض الدائم للباحثين والمؤرخين والجمهور العام نظرة ملهمة عن تاريخ دولة قطر والخليج وأوجه التلاقي والتفاعل مع العالم الخارجي. ونأمل أن تسلط فعالياتنا في هذا الشهر الضوء على بعض جهودنا التي قمنا بها مؤخرًا".
وأضاف: "تعمل المكتبة التراثية على تعزيز التفاهم الثقافي وإثراء الدراسات والبحوث التاريخية في المنطقة، الأمر الذي يجعل مكتبة قطر الوطنية تتبوأ مركزًا رائدًا ووجهة بارزة لدراسة التراث العربي والإسلامي".