لا شك أن إعداد الأبحاث للماجستير أو الدكتوراه ليس بالأمر السهل، بل هي عملية شاقة في جميع مراحلها من البداية إلى النهاية. ولأن قدرًا كبيرًا من هذه الصعوبة يعتمد على المهارات والخبرات، فإن تبادل هذه الخبرات من شأنه أن يساهم في تذليل العقبات التي يواجها الباحث أثناء إعداد أطروحته سواءً من حيث اختيار الموضوع أو المنهج أو مصادر المعلومات.
أنشأت مكتبة قطر الوطنية شبكة دعم زملاء الدراسات العليا لدعم باحثي الماجستير والدكتوراه، الذين يتطلعون للحصول على دعم فكري ونفسي، إذ تتيح لهم عقد لقاءات منتظمة بصورة غير رسمية لتبادل الخبرات والمعلومات وتلقي المساعدة عبر النصائح والإرشادات من الزملاء الذين حصلوا من قبل على الماجستير والدكتوراه. وتعقد الشبكة اجتماعاتها بصورة شهرية لعرض الأفكار وموضوعات البحوث والتجارب والإنجازات الشخصية للمشاركين، وهي من الخدمات الأساسية التي تقدمها المكتبة لأعضائها من المجتمع الأكاديمي.
ويشرح سيد محمد، أخصائي المعلومات بالمكتبة وباحث الدكتوراه في جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا، الذي يدير جلسات الشبكة أثناء متابعته لدراسته وأبحاثه في الدكتوراه، الحافز الذي دفعه لإنشاء الشبكة: "هناك العديد من طلاب الماجستير والدكتوراه الذين يعانون منفردين. فهم إما يشتركون في دورات إلكترونية أو يسجلون في جامعات في دول بعيدة. وهم يتجشمون العناء في عدة أمور، سواءً في الوصول للمعلومات أو الأشخاص، أو في التعثر بسبب التقيد بطرق ومناهج البحث، وافتقارهم لمجموعة معينة من المهارات المطلوبة لإكمال الأطروحة المطلوبة. وليس أمامهم أو حولهم من يقدم لهم المشورة، وفي الوقت نفسه لا يستطيعون السفر المتكرر لجامعاتهم لطلب المساعدة من المشرفين".
وأضاف سيد: "كان إنشاء الشبكة الوسيلة المثلى لالتقاء باحثي الماجستير والدكتوراه لتشجيعهم وتحفيز أحدهما الآخر وتقديم الدعم المعنوي والنفسي لبعضهم البعض".
تتميز الجلسات الشهرية للشبكة بأنها عملية، وتركز على منهجية البحث مثل كيفية بناء الاستدلال في الأطروحة، وسمات الإثبات الفعّال، ورفده بالأدلة والإحصائيات. وكانت هناك جلسات حول كتابة مقترح رسالة الدكتوراه، وأساليب القراءة النقدية، وتحليل الاستبيانات، ومهارات البرمجيات، وغيرها من الموضوعات. يقول سيد: "الشبكة ليست منتدى أكاديميًا أو تقنيًا أو علميًا، بل هي ملتقى يوفر البيئة الداعمة لطلاب الدراسات العليا والباحثين للتواصل ودعم بعضهم البعض، سواءً كان هذا الدعم فكريًا أو مهنيًا أو حتى نفسيًا".
من الواضح أن جميع المشاركين في الشبكة يتمتعون بقدرة فذة على بناء معارفهم وتطويرها. وبالتأكيد لدى العديد منهم وهم في مرحلة إعداد أطروحة بمستوى الماجستير أو الدكتوراه المهارات والخبرات المتقدمة في البرمجيات ومناهج وطرق إجراء البحوث والاستبيانات المتخصصة.
يقول سيد: "إننا لا نقدم محاضرات تعليمية لمن يشاركون في لقاءات الشبكة، بل نستخدم المنهج التفاعلي والأسلوب النقاشي. فأحضر معي على سبيل المثال بعض الأبحاث المنشورة أو المرفوضة، ونتعاون سويًا في تحديد طرق وأساليب تحسينها أو دعم الاستدلال وتقويته. وهي ممارسة مفيدة لكل أعضاء المجموعة".
ويشير سيد إلى أن مكتبة قطر الوطنية توفر مصادر متنوعة تشمل الوصول لقواعد البيانات. وهي ليست مهارات يتم تدريسها في الجامعات على مستوى الخريجين، حيث يقول: "تسخر المكتبة مصادرها ودورها ومكانتها لتعزيز اكتساب الباحثين للمهارات في مجالات مثل الكتابة والقراءة النقدية والمنهج البحثي وغيرها من المهارات التي تتطلبها كتابة أطروحات الماجستير أو الدكتوراه".
وقد نجحت الشبكة في تحقيق هدفها المقصود، فكما يقول سيد: "يكتشف طلاب الدكتوراه الذين يلتقون من خلال اجتماعات الشبكة وسائل جديدة للتعاون في تخصصاتهم المتشابهة، بل إن البعض قد تعاونوا سويًا في كتابة ونشر أبحاث مشتركة". وفي الوقت نفسه، يستفيد باحثو الدراسات العليا من لقاءات الشبكة في تبادل المعرفة والمعلومات والخبرات فيما بينهم.
تقول مايا رودر، وهي مشاركة منتظمة في لقاءات الشبكة وتعكف حاليًا على إنهاء أطروحتها للدكتوراه: "إنني أعيش في منطقة الخليج لأكثر من عشر سنوات، وترددت فترة حول إنجاز أطروحة الدكتوراه. ونظرًا لنقص المطبوعات الأكاديمية، كان من الصعب إعداد مقترح الأطروحة لتقديمها. وكان العثور على الكتب الملائمة مشكلة مزمنة بالنسبة لي، ولم تكن الدوريات الأكاديمية متاحة لباحث لا ينتمي لمؤسسة أكاديمية مثلي. وعندما فتحت المكتبة أبوابها للجمهور، فإنها غيرت كل ذلك تمامًا، فلم تعد هناك صعوبة تذكر في العثور على أي معلومة أبحث عنها".
تضيف مايا: "يشعر عادة المرء بالوحدة عند القراءة والكتابة والبحث، خاصة في بداية مشروع أطروحة الدكتوراه. لكن وجود شبكة تقدم الدعم والمساندة والمشورة يُحدث فرقًا هائلًا. ففي لقاءاتنا المنتظمة نتحدث عن المشكلات الأساسية التي نواجهها مثل تخصيص وقت كاف للقراءة والكتابة الأكاديمية وكذلك استخدام برمجيات الاقتباس والاستشهاد المرجعي وغيرها من الأدوات المفيدة الأخرى".
نظمت الشبكة مؤخرًا ورشة بعنوان "حوار الباحثين" تبادل فيها الباحثون قصصهم بما في ذلك التحديات التي يواجهونها وكيفية تذليلها والتغلب عليها. ويعتقد سيد أن مثل هذه الندوات ستربط الباحثين وأبحاثهم بالجهات المعنية في قطر وتساعد في إبراز هذه الجهات من خلال هذه الأبحاث.
يقول سيد: "المكتبة هي المكان المثالي لبناء الجسور بين طلاب الدراسات العليا والمؤسسات المعنية، وتمكنهم من التعاون معًا في إنشاء الحلول. وبهذه الطريقة، فإننا نستخدم الحوار على نطاق واسع لتعزيز جودة الأبحاث، وفي الوقت نفسه نتعامل مع التحديات الأخرى المتعلقة بكيفية الاحتفاظ بالباحثين الأكفاء بعد حصولهم على درجة الماجستير أو الدكتوراه".
تنصح مايا باحثي الدراسات العليا والطلاب الآخرين بالانضمام للشبكة واغتنام الفرصة التي تتيحها لتعزيز قدرتهم على إنجاز أطروحاتهم للدكتوراه. تقول مايا: "المناخ إيجابي للغاية ومنفتح حتى يشعر الجميع بالترحيب والتشجيع على التعبير عن أفكارهم. فإذا كنت تخطط لإجراء بحث أو بدأت في كتابة أطروحة الماجستير أو الدكتوراه، فإن نصيحتي هي أن تحضر إحدى لقاءات شبكة دعم زملاء الدراسات العليا في مكتبة قطر الوطنية".
يختم سيد حديثه بمخاطبة باحثي الدراسات العليا قائلًا: "هل تفكر في موضوع لأطروحة الماجستير أو الدكتوراه أو وصلت لطريق مسدود في منهج البحث أو تشعر بإنهاك نفسي وذهني بسبب صعوبة الحصول على المعلومات المطلوبة لرسالتك، أو تشعر بالارتباك بشأن بعض المفاهيم، ولا يوجد من يساعدك، فإننا ندعوك للحضور إلى مكتبة قطر الوطنية والمشاركة في لقاءات شبكتنا لتجد المساعدة من الزملاء الذين سبقوك بالحصول على الماجستير أو الدكتوراه لكي تستفيد من خبراتهم ومعلوماتهم".