وقعت مكتبة قطر الوطنية ومعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، اتفاقًا لمشروع بحثي مشترك يهدف إلى إنشاء منهجية مبتكرة تُمكّن أخصائيي الترميم في جميع أنحاء العالم من صون كنوز التراث الإسلامي من الوثائق والمخطوطات من خطر التدهور، ويرسخ دور دولة قطر الريادي في صون المخطوطات الإسلامية والمحافظة عليها.
يتسق هذا الاتفاق مع نهج التخصصات المتعددة الذي تطبقه مؤسسة قطر، حيث سيساهم المشروع في تعزيز فهم طبيعة الحبر القديم المستخدم في المخطوطات وعملية إنتاج الأصباغ ومسارات تجارة الأصباغ النادرة التي كانت مستخدمة في القرن العاشر الميلادي والعصور اللاحقة. وسوف يمتد تأثير هذا التعاون أيضًا إلى المؤرخين العاملين في هذا المجال وعلماء المخطوطات، حيث سيسفر عن إبرام شراكات وتكوين شبكات تعاون بحثية جديدة، لا سيما في الدول الآسيوية مثل إيران وماليزيا وإندونيسيا.
في إطار هذا الاتفاق، سيتعاون مختبر الحفظ والصيانة في المكتبة ومركز التآكل في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة لإجراء التجارب وابتكار منهجيات وطرق جديدة لتثبيت الأحبار والأصباغ المصنوعة من المعادن والمستخدمة في زخارف المخطوطات الإسلامية القديمة.
يمثل الحبر الحديدي غير المستقر أحد العوامل الأساسية وراء العملية الكيميائية المسؤولة عن تدهور الوثائق التراثية، الأمر الذي يؤثر على ربع المخطوطات الإسلامية حول العالم. وبالرغم من هذا التأثير الفادح لم تكن هذه العملية موضع تركيز الكثير من البحوث العلمية، إذ نُشرت فقط أقل من 20 ورقة علمية حول استخدام الحبر الحديدي في المخطوطات العربية.
يقود هذا التعاون المشترك إلى فهم أفضل لعملية التدهور، بما يمكن معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة ومكتبة قطر الوطنية، بصفتها مركز الإفلا الإقليمي لصون المواد التراثية والحفاظ عليها في الشرق الأوسط، من ابتكار المنهجيات والطرق التي توقف عملية التدهور وتساعد في حفظ الوثائق التاريخية المهمة.
وتعليقًا على هذه المبادرة، أكدت السيدة هوسم تان، المدير التنفيذي لمكتبة قطر الوطنية، أن المشروع يجسد القيّم التي تتبناها المكتبة منذ تأسيسها، وقالت: "تعزز الاتفاقية دور المكتبة في صون تراث المنطقة ومكانتها بصفتها مؤسسة ملتزمة بتعزيز الابتكار والتعلم المستمر، وهي القيّم التي تشكّل جوهر رسالتنا".
وقد علق مكسيم نصره، رئيس قسم صيانة مقتنيات المكتبة والمحافظة عليها، على هذا التعاون البحثي قائلًا إن المشروع يتعامل مع تحديات فريدة من نوعها، لكنه سيجلب في الوقت نفسه فوائد كبيرة للمشاركين والمعنيين بهذا المجال. وأضاف: "أدى انتشار استخدام الأحبار المعدنية، وغيرها من المكونات الأخرى الخاصة، والاستخدام المكثف لصَبْغ الزنجار في الرسم والزخرفة في المخطوطات الإسلامية إلى ظهور تحديات فريدة في المخطوطات الإسلامية تختلف عن تلك التي تواجهها المخطوطات الغربية. ويهدف هذا المشروع التعاوني إلى إيجاد منهجية وقائية للمخطوطات الإسلامية التاريخية، لا تعود بالنفع على مكتبة قطر الوطنية فقط، بل أيضًا على المؤسسات العالمية التي تمتلك وثائق التراث الإسلامي القيّمة".
حول هذا التعاون، علّق الدكتور طارق الأنصاري، المدير التنفيذي بالإنابة لمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، بقوله: "يفخر معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة بالمساهمة في ابتكار منهجية تؤدي إلى حماية هذه المخطوطات التي لا تقدر بثمن. تعاوننا مع مكتبة قطر الوطنية سيمكننا من قيادة الجهود الرامية إلى فهم عملية التدهور، والتخفيف من آثارها، وضمان الحفاظ على تراثنا العريق والفريد وصونه للأجيال القادمة".
وتقول الدكتورة حنان فرحات، مدير أبحاث أول بمركز التآكل بمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة: "يؤثر التآكل على كل شيء في حياتنا، ومن ذلك الوثائق التراثية. سيتمكن علماؤنا عبر التعاون مع مكتبة قطر الوطنية من فهم آليات تحلل الحبر الحديدي، وابتكار المنهجيات والوسائل لإبطاء هذا التحلل، والحفاظ على هذه المخطوطات القيّمة. وتكمن أهمية هذا التعاون في أنه يجمع بين العلم والفن والتراث".
جدير بالذكر أن المشروع بدأ في 18 فبراير بورشة عمل أقيمت في مكتبة قطر الوطنية لمدة 5 أيام بمشاركة خبراء من المكتبة ومعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة.