نظمت مكتبة قطر الوطنية، بصفتها المركز الإقليمي للاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات (الإفلا) لصيانة مواد المكتبات والمحافظة عليها في الدول العربية والشرق الأوسط، ورشة الدوحة الثالثة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالتراث الثقافي.
وتتيح الورشة، التي تستمر لمدة أربعة أيام وتُقام بالتعاون مع السفارات الأمريكية والإيطالية والفرنسية في الدوحة تحت شعار "تعزيز الأطر التشريعية والقانونية وبناء القدرات المؤسسية"، منبرًا مؤثرًا لتبادل الخبرات وتفعيل التعاون الإقليمي بشكل أكبر.
ويشارك في الورشة نخبة من الخبراء الإقليميين والدوليين، ومسؤولون حكوميون من قطر والولايات المتحدة وفرنسا، بالإضافة إلى ممثلين عن منظمات دولية متخصصة مثل الأمم المتحدة والهيئات الجمركية والوكالات المتخصصة مثل اليونسكو واليونيدروا والإنتربول ووحدة الكارابينييري في روما لحماية التراث الثقافي، لمناقشة السبل المثلى لتعزيز كفاءة المؤسسات وتعزيز التعاون الإقليمي في مجال حماية التراث والثقافة في العالم العربي والشرق الأوسط.
وبهذه المناسبة، أكّدت السيدة هوسم تان، المدير التنفيذي لمكتبة قطر الوطنية، على التزام المكتبة بمكافحة الاتجار غير المشروع بالتراث الثقافي منذ إطلاق مشروع "حماية" في عام 2020، قائلة: "يؤدي الاتجار غير المشروع بالتراث الثقافي إلى خسائر أكبر بكثير من الخسائر المادية؛ فهو يتسبب في تقويض الهوية الثقافية ويغذّي الأنشطة غير القانونية التي تموّل الصراعات. وتعزز المكتبة من خلال التعاون الدولي وعبر قيادتها للمبادرات المناهضة للتجارة غير المشروعة بالممتلكات الثقافية من دورها في حماية التراث والحفاظ على الكنوز الوثائقية والآثار الثقافية".
وقد شهد اليوم الأول من الورشة طرح مقدمة شاملة عن الإطار القانوني الدولي، تشمل المناقشات حول اتفاقية اليونسكو لعام 1970 بشأن التدابير الواجب اتخاذها لحظر ومنع استيراد وتصدير ملكية الممتلكات الثقافية ونقلها بطرق غير مشروعة. وركّزت جلسة أخرى على اتفاقية اليونيدروا لعام 1995، التي توفّر قواعد قانونية تكميلية بشأن إعادة الممتلكات الثقافية واستردادها. واختتم اليوم الأول بعرض دراسة منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) حول الاستراتيجيات التشريعية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالتراث الثقافي في المنطقة العربية.
وتتناول الورشة في اليوم الثاني مفهوم الآثار والتراث في الثقافة العربية والأطر القانونية الدولية، مع التأكيد على تعزيز التشريعات الوطنية لمكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية، وسيناقش المشاركون ضرورة التعاون بين الدول التي توجد فيها أسواق بيع وشراء الممتلكات الثقافية وبلدان المنشأ لتعزيز التعاون الدولي لمكافحة الاتجار غير المشروع بالسلع الثقافية ذات الطبيعة الدولية. بينما يركز اليومان الثالث والرابع على استعادة الممتلكات الثقافية مع تسليط الضوء على أهمية التعاون بين أجهزة تطبيق القانون والمؤسسات الثقافية.
وبهذه المناسبة، قال السفير الأمريكي تيمي ديفيس: "تراثنا الثقافي شهادة توثق رحلتنا الجماعية كبشر ومنارة للأجيال القادمة. وثقافتنا هي ما يميزنا، لذا، فإن حمايتها تخدم مصالحنا جميعًا وتعزّز الحوار الثقافي بين الولايات المتحدة وقطر. وتؤكد الولايات المتحدة وقطر على أهمية التعاون والتنسيق وحماية التراث كوسيلة لتعزيز السلام والأمن والازدهار الاقتصادي والتفاهم المتبادل".
وأضاف: "لطالما التزمت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة بمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية. وتستند جهودنا إلى إطار تشريعي وقانوني مُصمّم لحماية التراث الثقافي على المستويين المحلي والدولي. يشمل ذلك تنفيذ القوانين الدولية الأمريكية لمنع استيراد القطع الأثرية المسروقة، ومنها اتفاقية الممتلكات الثقافية التي تشكل حجر الزاوية الذي يُمكّن الولايات المتحدة من فرض القيود على استيراد المواد الأثرية والإثنولوجية، ويعكس التزامنا التام بدعم الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية اليونسكو لعام 1970 ودعم البلدان المالكة للآثار في جهودها لحماية تراثها الثقافي".
ومن جانبه، أكد سعادة السيد باولو توسكي، السفير الإيطالي لدى قطر، أيضًا التزام بلاده بالتعاون مع الشركاء من الدول الأخرى في تعزيز الجهود المبذولة لمكافحة الاتجار غير المشروع، وقال: "هناك شراكة وطيدة بين السفارة الإيطالية في الدوحة ومكتبة قطر الوطنية في العديد من مشروعات التعاون الثقافي الثنائية. ومن هذه المشروعات، يجسد مشروع حماية التزامنا المشترك بحماية التراث الثقافي، إذ تعد إيطاليا شريكًا رئيسيًا في هذه المبادرة منذ انطلاقها."
وأضاف قائلًا: "تتميز مساهمتنا هذا العام بمشاركة البروفيسور مانليو فريغو، وهو أحد أبرز الخبراء في المنازعات القانونية المتعلقة بالقطع الأثرية، والسيدة جوليانا تشيريللو، رئيسة قسم حقوق الطبع والنشر في وزارة الثقافة بإيطاليا، والمشير أنتونيلا سبانيولو، من وحدة الكارابينييري لحماية التراث الثقافي وهي مؤسسة إيطالية فريدة تمارس نشاطها في جميع أنحاء العالم."
وأوضح سعادة السفير أن الحفاظ على التراث الثقافي ركيزة أساسية لترسيخ التفاهم المتبادل بين الشعوب ونشر السلام وتعزيز التنمية، قائلًا: "في ظل انعدام الاستقرار الدولي، نعتز بتبادل خبراتنا حول قضية حساسة مثل الاتجار بالآثار الثقافية في المنطقة لمنع التداول غير المشروع وتعزيز بناء القدرات".
من ناحية أخرى، قال سعادة السفير الفرنسي لدى قطر، جان بابتيست فافر: "فرنسا لديها التزام عميق بجميع قضايا الحفاظ على التراث الوثائقي والممتلكات الثقافية. وقد اكتسبت شراكتنا مع دولة قطر زخمًا كبيرًا في السنوات الأخيرة على العديد من المستويات، لا سيما في مجال مكافحة الاتجار غير المشروع بالتراث الثقافي".
تعتمد نسخة هذا العام من ورشة العمل على نتائج الورشة السابقة التي جمعت خبراء إقليميين ودوليين لمناقشة التحديات الرئيسية في مكافحة الاتجار غير المشروع. وقد تطرق المشاركون إلى أهمية توحيد الأطر والسياسات القانونية على المستوى الإقليمي، وتحديث القوانين القديمة، ودمج القوانين الدولية الفعالة في التشريعات الوطنية، وهي الموضوعات التي تصدرت برنامج أعمال هذا العام".
تأتي هذه الورشة ضمن عدد كبير من المبادرات التي تنفذها مكتبة قطر الوطنية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية. ففي شهر مايو الماضي، نظمت المكتبة جلسة حول مكافحة الاتجار بالتراث الوثائقي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن المؤتمر الخامس والأربعين للجنة الدولية لمكتبات الشرق الأوسط (ميلكوم) والجمعية الأوروبية لأخصائيي المكتبات في الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، وفي إطار مشروع "حماية"، أقيمت ندوة عبر الإنترنت في شهر مارس الماضي لاستكشاف استخدام أدوات الإنتربول في مكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية.
جدير بالذكر، أن عمليات الاتجار بالمواد التراثية وتهريبها قد تزايدت مؤخرًا بشكل ملحوظ، لا سيَّما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب الصراعات وعدم الاستقرار. ويهدف مشروع "حماية" لتعزيز التعاون بين المنظمات والحكومات الدولية لحماية التراث الوثائقي ومكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية.