في اللقاء الخامس من سلسلة فعاليات "الصالون الثقافي" مكتبة قطر الوطنية تناقش تحديات الحفاظ على الهوية الوطنية في ظل العولمة

11 يونيو 2024

تمحورت الجلسة الخامسة من سلسلة فعاليات "الصالون الثقافي"، التي عقدتها المكتبة في العاشر من يونيو بالتعاون مع جامعة حمد بن خليفة، حول تعقيدات الهوية الوطنية في القرن الحادي والعشرين والتحديات والفرص التي تواجهها الدول في عالم متشابك ومتغير باستمرار.

وناقشت الجلسة، التي حملت عنوان "الهوية الوطنية في عالم متغير"، الأبعاد المختلفة للهوية في سياق العولمة، وكيف يتسنّى للأفراد والمجتمعات التكيّف مع المشهد العالمي المتغير والحفاظ على هوياتهم الفريدة في مواجهة عاصفة العولمة، والتحول الاقتصادي والثقافي والتكنولوجي الذي يمتاز به القرن الحادي والعشرون.

وأكّدت نقاشات الصالون الثقافي أن مسألة الهوية من أعقد الموضوعات المثيرة للجدل بل التوتر أيضًا وسط عالم شديد التغيّر يزداد تشابكاً وتتلاشى فيه المسافات وتذوب الديموغرافيا وتتسارع معدلات التحول الاقتصادي والثقافي والتكنولوجي وتزداد الضغوط بشكل مضطرد على الهويات الوطنية ما أدّى إلى إنتاج إشكاليات وصراعات يلزمها البحث عن سبل لفضها وإيجاد سبل رشيدة تمكّن الهويات الوطنية من حماية نفسها والتعايش مع الهويات الوافدة، وبالأخص مع الهوية الغربية التي فرضت نفسها تحت وطأة العولمة.

خلال اللقاء، استعرض سعادة السيد خالد بن غانم المعاضيد، عضو مجلس الشورى، والدكتور عز الدين عبد المولى، مدير الأبحاث في مركز الجزيرة للدراسات، تعقيدات الهوية الوطنية وكيف بإمكان الأفراد والمجتمعات التكيف والازدهار والحفاظ على هوياتهم الفريدة في مشهد عالمي ديناميكي، وأشارا إلى أن التفاعل مع هذه التعقيدات يتطلب فهمًا دقيقًا لدور الهوية في تشكيل الأفراد والمجتمعات والدول، كما يتطلّب دراسة متأنية لتطورات مفهوم الانتماء.

تناول سعادة السيد خالد المعاضيد في كلمته تعريفات الهوية ومن أهمها أنها السمات التي تميز فرد أو جماعة، وركائز الهوية ومستوياتها والعلاقة بين هذه المستويات ومكوناتها الظاهرة والباطنة. وتطرق إلى مكونات الهوية الظاهرة مثل الزي والعمارة واللغة ومكوناتها الباطنة التي تمثل القيم أو معايير المجتمع مثل الدين والكرامة الإنسانية والتاريخ المشترك وغيرها.

وحول أزمة الهوية الوطنية قال السيد المعاضيد:  "لقد كشفت الحرب الصهيونية على غزة والدعم الغربي المطلق لدولة الاحتلال عن أزمة هوية عميقة يعيشها العالم العربي والإسلامي تجلت في ردود الأفعال المتخبطة والمرتبطة على عدة مستويات. وهذه الأزمة لها عدة أسباب منها وسائل التواصل الاجتماعي والخلل في التنشئة الاجتماعية والانبهار بالحداثة الغربية".

وأضاف قائلًا: "تشهد دولة قطر اهتمامًا كبيرًا بقضية الهوية الوطنية، وهو ما تؤكده الجهود الكبيرة والحثيثة لوزارات الثقافة والتربية والتعليم والأوقاف. الأسرة لها دور كبير وعلى المثقف أن يمارس دورًا فاعلًا ويهتم بقضايا مجتمعه، ويجب بناء ذاكرة جماعية وضرورة الاهتمام باللغة العربية في بيئة العمل والمدارس. على وسائل الإعلام أن تقوم بدور نشط في زرع قيم الهوية الوطنية المعتدلة التي تعتز بتراثها وتتعامل مع الآخر بعقلانية وحكمة".

أما الدكتور عز الدين عبد المولى فقد أكد أن قضية الهوية قديمة قدم التاريخ وبدأت مع الفيلسوف أرسطو عندما حاول صياغة قواعد المنطق والتفكير السليم، وكان المبدأ الأول هو الهوية أي أن يكون الشيء متطابقًا مع ذاته. وقال في كلمته: "الهوية الوطنية حلقة وسطى في سلسلة من الهويات المتعددة تبدأ بهوية الإنسان الفرد ثم الأسرة ثم القبيلة ثم الجماعة ثم الهوية الوطنية أي هوية الدولة ثم الهوية الإقليمية (الهوية الخليجية مثلا) ثم الهوية القومية (الهوية العربية والإسلامية) ثم الهوية الإنسانية وهي التي تحرك شباب الجامعات في أوروبا وأمريكا دعمًا ونصرة لغزة في مواجهة العدوان الصهيوني الغاشم.

وركز على أهمية دور التعليم في قضية الهوية: "في قطر، كما غيرها من البلدان، تُعدّ المؤسسة التعليمية إحدى أهم مؤسسات المجتمع التي تتبلور في إطارها معالم الهوية الوطنية. ففي هذه المؤسسة يتعلم النشء تاريخهم، وتتراكم معارفهم بتراثهم، وتتعزز علاقتهم برموزهم وقيمهم الجامعة. وفيها تترسخ لغتهم الوطنية باعتبارها حاملا لتلك القيم، تنقلها من جيل إلى جيل في بيئة داخلية وخارجية متغيرة".

وبهذه المناسبة، صرح سعادة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية قائلًا:  "بمرور الوقت، صارت جلسات الصالون الثقافي وما يناقشه من قضايا فكرية مهمة أحد الروافد التي تثري المشهد الثقافي في قطر وتعزز دور مكتبة قطر الوطنية في القيام بوظيفتها الطبيعية في التعبير عن وجدان مجتمعها وهمومه وقضاياه، ما يوسع دورها بجانب ما تقوم به من أدوار بصفتها وجهة للتعلم والقراءة ومؤسسة تحمل على عاتقها مسؤولية صون التراث الوثائقي لدولة قطر والمنطقة".

وأضاف سعادته: "أصبح صالوننا الثقافي منصة راسخة للحوار البنّاء حول القضايا الثقافية والفكرية التي تمس جوهر مجتمعنا، وشهد في جلساته الماضية نقاشات ثريّة تركت بصمة واضحة في المشهد الثقافي القطري. وفي جلسة اليوم تناولنا مسألة على جانب كبير من الاهمية وهي إشكالية الحفاظ على الهوية الوطنية في عصر العولمة بكل ما فيه من زخم وتعقيدات وتطورات تقنية ومعرفية".

وختم سعادته كلمته بقوله: "لا شكّ أن الهوية الوطنية تواجه تحديات جمّة في ظل انكماش العالم تحت وطأة ثورة الاتصالات والمعلومات، وصارت الثقافات المحلية أشبه بجداول أو أنهر صغيرة تجدّ صعوبة في الحفاظ على جريانها أمام طوفان العولمة الجارف. ووسط هذه المتغيرات، يسعى الصالون الثقافي اليوم لطرق أبواب التعلّم والتبادل والتفاعل مع الآخر، والاستماع إلى صوت العقل والحكمة الذي يرى أن الانفتاح على الثقافات الأخرى في القرن الحادي والعشرين لا يتعارض مع صون أبعاد الهوية الوطنية والتمسّك بقيمنا وتراثنا وتقاليدنا اللغوية والثقافية والروحية".

أطلقت مكتبة قطر الوطنية الصالون الثقافي في 13 مارس 2023 ليكون منصة للحوار والتواصل مع النخب الفكرية والثقافية لخلق مناخ إيجابي يثري الثقافة ويرتقي بالوعي العام عبر سلسلة من الجلسات الدورية التي تنظمها المكتبة بالتعاون مع جامعة حمد بن خليفة. ناقشت اللقاءات السابقة تأثير تنظيم كأس العالم، والذكاء الاصطناعي، وصورة فلسطين في المحتوى الرقمي على الإنترنت، وأمسية شعرية عن النضال الفلسطيني.

للاطلاع على قائمة كاملة بجميع فعاليات مكتبة قطر الوطنية، يرجى زيارة موقع المكتبة الإلكتروني (www.qnl.qa /events) أو تطبيق مكتبة قطر الوطنية للأجهزة الذكية المتاح للتنزيل مجانًا من متجر التطبيقات على أجهزة iOS وجوجل بلاي لأجهزة أندرويد.