جولة في كنوز مكتبة قطر الرقمية حول الفروسية والخيول العربية

25 أغسطس 2016

مجموعة قيّمة من المخطوطات والكتب النادرة من عصور تاريخية مختلفة حول الخيول العربية ومهارات الفروسية

أكثر ما يشتهر به العرب على مر العصور منذ الجاهلية حتى الآن فخرهم بأمجادهم في الفروسية وولعهم بخيولهم وعنايتهم بها. وقد تغنوا بذلك في شعرهم، وما زالت أشعار وقصائد امرئ القيس وعنترة بن شداد وغيرهما من أجمل الأشعار تصور شجاعتهم في القتال ومهاراتهم في الكر والفر خلال الحروب والمعارك، كما تصف بدقة العلاقة القوية التي تربط بين فرسان العرب وخيولهم. 
 

وعندما جاء الإسلام، حثهم على تعلم الفروسية وإجادتها ورعاية الخيول واستيلادها، وأثابهم على اقتنائها وتربيتها. هذه العناية بالخيول وهذا الفخر بالفروسية استمر مع العرب عبر التاريخ، حتى أن البريطاني ويليام تويدي، القنصل البريطاني في بغداد والمقيم السياسي لحكومة الهند في الجزيرة العربية تحت الحكم العثماني خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ضرب المثل بالعرب في حبهم للخيول، وأكد أن أي دراسة جادة للخيول العربية لا ينبغي أن تنفصل بأي حال عن دراسة عقيدتهم وبيئتهم وظروف حياتهم الاجتماعية والاقتصادية.
 

ومن فرط حبه للخيول العربية، ألف تويدي كتاباً ضخماً أسماه (الخيل العربي، موطنه وأهله) ونشره في عام 1894 وضمنه صوراً لبعض الخيول العربية ورسوماً توضيحية أخرى، بالإضافة إلى خريطة لموطن الخيل العربي ومسرد وصفي بالكلمات والأسماء العربية. والكتاب متاح بنسخة رقمية عالية الجودة في مكتبة قطر الرقمية، التي تم الاعلان عنها نتيجة مشروع شراكة معرفية بين مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع ومكتبة قطر الوطنية من جهة والمكتبة البريطانية من جهة أخرى.
 

في ذلك الوقت، كانت قطر دولة موحدة مستقلة في ظل حكم الشيخ المؤسس جاسم بن محمد آل ثاني، الذي تولى الإمارة في عام 1878 حتى وفاته في 1913. كان الشيخ جاسم بن محمد فارساً عربياً أصيلاً اكتسب مهارات الفروسية منذ سن مبكرة، وتذكر الوثائق المحفوظة في مكتبة قطر الرقمية أنه عندما توفي رحمه الله ترك ثروة طائلة بلغت قيمة الجمال والخيول منها 200 ألف روبية (العملة الهندية المستخدمة في قطر في ذلك الوقت) وهو مبلغ كبير للغاية بمقاييس ذلك الزمن.
 

وبينما شهدت قطر فعاليات بطولة الشقب الدولية للفروسية من 2 إلى 5 مارس الجاري، حيث تنافس كوكبة من خيرة الفرسان من قطر والعالم في استعراض براعتهم في فنون الفروسية ومهاراتها، يبدو الوقت ملائم الآن للسفر في رحلة عبر الزمن مع الفروسية والخيول العربية عبر الكتب والمخطوطات التاريخية في مكتبة قطر الرقمية، والتي تحتوي على باقة مدهشة من كتابات السياسيين والرحالة والمستكشفين الأوروبيين حول البدو والقبائل العربية الكبيرة وعاداتهم وتقاليدهم في قطر وغيرها من حواضر شبه الجزيرة العربية.
 

ولعل ولع القبائل العربية بالفروسية وعنايتهم الفائقة بالخيول العربية من الظواهر التي تستوقف أي أجنبي يعيش في المنطقة العربية، وقد عبّر ويليام تويدي في سفره الضخم (الخيل العربي، موطنه وأهله)، الذي استغرق تـأليفه 6 سنوات، عن إعجابه بالعناية الكبيرة التي يحيط بها العربي فرسه وحصانه، والمكانة الفريدة التي تحظى بها الخيول بين قبائل العرب وفرسانها، وعنايتهم بأصالتها ونقاء أنسابها حتى أنهم يحررون شهادات موثقة لإثبات نقاء سلالة خيولهم الأصيلة.
 

من المؤكد أن هذه العناية الفائقة بالحفاظ على نقاء سلالات الخيول العربية هي سر شهرتها الكبيرة في جميع أنحاء العالم، فعلى مر القرون ومن خلال التناسل الانتقائي، حافظ العرب على سلالة من الخيول العربية تتميز بقوة تحملها وجمالها وسرعتها، حتى أنها استخدمت في تهجين الخيول الأوروبية. وتذكر الوثائق التاريخية في مكتبة قطر الرقمية أن تجارة الخيول العربية كانت من التجارات المربحة والرائجة لأن الجنود والضباط والبريطانيين العاملين في الهند كانوا يفضلون الخيول العربية.
 

أكد تويدي هذه الحقيقة في كتابه الذي نشره في نهاية القرن التاسع عشر، قائلاً إن "الحصان العربي لا يحظى فقط بالإعجاب في بيئته الأصلية، بل يحوز الإعجاب أيضاً حيثما طار ذكره في أي بلد في ذلك الوقت". ووصف تويدي الحصان العربي بأنه حصان الأمم الذي تتهافت عليه أغلب الحكومات المتحضرة من أجل تحسين سلالاتها من الخيول، وتوسيع امبراطورياتها وعتادها العسكري من الخيول. وعلى حد قول تويدي: "أبدى أعظم جنرالات أوروبا تفضيلاً قوياً لتدريب الخيول العربية على خوض المعارك والحروب. وفي البلاط الملكي في فارس والهند، حظيت دائماً الخيول العربية بالتقدير على عداها من الخيول".
 

بخلاف كتاب (الخيل العربي، موطنه وأهله)، تقدّم مكتبة قطر الرقمية لمحبي الخيول والفروسية ثروة رقمية من جواهر التراث العربي الثمينة من العصور الذهبية للحضارة العربية والإسلامية مثل كتاب (الفروسية وشيات الخيل) من تأليف أبي يوسف يعقوب بن أخي حزام، مدرب خيول الخليفة العباسي المعتضد، وهو من أقدم الدراسات العربية في الطب البيطري وطب الخيول بصفة عامة، ويرجع الكتاب إلى القرن الرابع عشر.
 

ومنها أيضاً كتاب (نهاية السؤل والأمنية في تعلم أعمال الفروسية) الذي ألفه محمد بن عيسى بن إسماعيل الحنفي الأقصرائي بتاريخ 1348 ميلادية، وهو من الكتب النادرة حول مهارات الفروسية وتنظيم الجيوش الحربية. وأخيراً كتاب (البيطرة) لأحمد بن عتيق الأزدي الذي يعود تاريخه إلى عام 1223 ميلادية (620 هجرية)، وهو أطروحة عن طب الخيول توضح نقاط القوة والضعف والترويض والأمراض في الخيول.
 

بالإضافة لمكتبة قطر الرقمية، تدعم مكتبة قطر الوطنية رسالة المكتبة الرقمية العالمية، في تعزيز التفاهم بين الدول والثقافات و توسيع حجم المحتوى الثقافي على الإنترنت كماً ونوعاً من خلال رقمنة آلاف الكتب من مجموعتها التراثية وتوفيرها بالمجان على موقع المكتبة الرقمية العالمية والتي أنشئت ضمن برنامج مشترك بين منظمة اليونيسكو والإتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات، وتديره مكتبة الكونجرس الأمريكية.


تدعم مكتبة قطر الوطنية رسالة مؤسسة قطر، للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، الرامية لإطلاق قدرات الإنسان عبر نشر الثقافة وتوفير مصادر المعرفة لكافة أفراد المجتمع من خلال توفير قواعد بيانات إلكترونية قيمة ومواد تعليمية ذات جودة عالية على موقعها الإلكتروني، ومن خلال مكتبة قطر الرقمية التي تتيح لجميع سكان العالم الاطلاع على كنوز نادرة من الإنجازات المعرفية للحضارة العربية والإسلامية.