سلّطت مكتبة قطر الوطنية في الجلسة الثانية من سلسلة فعاليات "الصالون الثقافي"، بالشراكة مع جامعة حمد بن خليفة، الضوء على موضوع الذكاء الاصطناعي من منظور العلم وتحدّيات العمل والأخلاق بمشاركة خبراء وأكاديميين متخصصين في علوم الحوسبة والأخلاقيات.
ناقشت الجلسة، التي أقيمت مساء أمس الإثنين الموافق 29 مايو 2023 بحضور عدد كبير من الجمهور ووسائل الإعلام، التحديات والفرص والاعتبارات الأخلاقية المترتبة على استخدام الذكاء الاصطناعي وتأثيره في إعادة تشكيل عالمنا على كافة الأصعدة المهنية والمجتمعية والثقافية.
وقد تحدّث في جلسة "الصالون الثقافي" التي أدارها الدكتور أحمد المقرمد، مدير معهد قطر لبحوث الحوسبة بجامعة حمد بن خليفة، كل من الدكتور غانم السليطي، خبير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بمعهد قطر لبحوث الحوسبة بجامعة حمد بن خليفة، والدكتور محمد غالي، أستاذ الدراسات الإسلامية وأخلاقيات الطب الحيوي، كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة.
وحول الجلسة الثانية من "الصالون الثقافي" صرّح سعادة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكوّاري، وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية، قائلًا: "اليوم في جلسته الثانية، نستطيع أن نقول بأن الصالون الثقافي لمكتبة قطر الوطنية قد بدأ يشقّ طريقه بنجاح، وبدأ يؤكّد دوره كمنبر حواري وفكري ملهم في المشهد الثقافي القطري يرسّخ مكانة مكتبة قطر الوطنية كمؤسسة ثقافية مبادرة وفاعلة وسبّاقة إلى مناقشة أبرز التوجّهات والتطوّرات والقضايا في مختلف مناحي المعرفة على الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية".
وأضاف سعادته: "نناقش في جلسة اليوم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي صارت الشغل الشاغل والحديث الدائم لمختلف وسائل الإعلام وشركات التكنولوجيا ومحركات البحث، وذلك إدراكًا منا لأهمية هذه التقنية واستشرافًا لآفاقها الرحبة والواسعة وانطلاقًا من دور المكتبة في تثقيف المجتمع وتوعيته بأهم التطوّرات التي تؤثر على مختلف أفراده سواءً في العمل أو الدراسة أو الأنشطة الحياتية اليومية".
وختم سعادته حديثه قائلًا: "نعتز باستمرار الشراكة والتعاون مع جامعة حمد بن خليفة في تنظيم جلسات هذا الصالون الثقافي الذي بات قناة تواصل إيجابية وثرية بين الخبراء والمتخصصين والجمهور، وأتاح لأفراد المجتمع ليس فقط الاستماع إلى الخبراء، بل ومحاورتهم ومناقشة أفكارهم وعرض وجهات نظرهم وآرائهم حول القضية أو موضوع المناقشة في جلسات الصالون الثقافي".
وكان قد افتتح الجلسة الدكتور أحمد المقرمد بتقديم نبذة وخلفية عامة حول تطوّر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتعقيداته وأهميته وتأثيراته المحتملة. وقال في كلمته الافتتاحية: " يهدف الذكاء الاصطناعي إلى تصميم وبناء أنظمة قادرة على تنفيذ مهام مختلفة بالاعتماد على قدرة الآلة على التعلّم الذاتي واتخاذ القرارات بشكل مستقل. إننا اليوم نستخدم الذكاء الاصطناعي في العديد من أنشطتنا الحياتية اليومية، فقد أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في الكثير من المجالات ومنها السيارات ذاتية القيادة التي كانت ضربًا من الخيال قبل عدة سنوات. وقد أسهم الذكاء الاصطناعي في تسريع وتيرة إنجاز كثير من الأعمال الروتينية، وتمكين الإنسان من نقل تركيزه إلى مراقبة الجودة وتحسين تخصيص الموارد والإنتاجية، وتحليل الأخطاء والتحسين المستمر للعمليات وإتاحة مجال أكبر للإبداع بدلًا من تكرار العمليات الروتينية".
أما الدكتور غانم السليطي، فقد ركّز على تأثير الذكاء الاصطناعي على المهن المختلفة، ومنها الطب والقانون والتعليم والهندسة والتصميم والمحاسبة، قائلاً: "في اعتقادي الشخصي، الذكاء الاصطناعي أداة لتطوير وتعزيز القدرات والوظائف البشرية وليس لإحلالها. على سبيل المثال، قد يستخدم الطبيب برنامجًا للذكاء الاصطناعي للمساعدة في اكتشاف المشكلات الصحية لدى المرضى، وقد يستخدم المعلّم الذكاء الاصطناعي لمساعدة كل طالب على التعلّم بطريقته الخاصة. وفي هذه الحالات، لا يحل الذكاء الاصطناعي محل الموظفين، بل يصبح أداة مفيدة تساعدهم على أداء وظائفهم بشكل أفضل".
وأضاف: "تشير الدراسات والتقارير الحديثة إلى أن الوظائف المكتبية للمهنيين المتخصصين سوف تتأثر بالذكاء الاصطناعي أكثر من وظائف العمّال. ومع تطوّر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ستظهر وظائف لم تكن موجودة من قبل مثل الحاجة إلى خبراء في صيانة أنظمة الذكاء الاصطناعي وتدريبها وأخلاقيات استخدامها، الأمر الذي سيؤدي إلى نشأة صناعات ومهن جديدة".
أما الدكتور محمد غالي، فقد ألقى كلمة وافية حول الجوانب الأخلاقية للذكاء الاصطناعي، قائلًا: "لا تزال النقاشات الشرعية والأخلاقية حول موضوع الذكاء الاصطناعي في بداياتها، ومعظم ما صدر إلى الآن مجرّد فتاوى موجزة ردًا على أسئلة واستفسارات حول قضايا جزئية. في رأيي الشخصي، المبادئ الحاكمة المتداولة حاليًا (مثل العدالة والشفافية واحترام الخصوصية إلخ) قد تمّت صياغتها بشكل عام وفضفاض للغاية حتى لا يكاد يختلف معها أحد تقريبًا، بما في ذلك شركات التكنولوجيا العملاقة".
وأضاف في كلمته خلال الجلسة قائلاً: "بالنظر إلى الوضع الحالي وتوقّع التطوّرات القادمة، يبدو أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ستضفي المزيد من التعقيد على المسائل الأخلاقية. السيناريو الأسوأ هو أن يتحوّل "إنتاج المعرفة" إلى سوق تجاري تتحكم فيه الشركات الضخمة للتكنولوجيا، لأنها ستتمكّن من الحصول على أكبر قدر ممكن من الملكيات الفكرية. هذا التطوّر سيشكّل تحديات جسيمة ليس فقط على مستوى المبادئ الأخلاقية الكبرى، بل أيضًا أمام تطبيقها على أرض الواقع بما يتفق مع ثقافات الشعوب ومعتقداتها الدينية. ونأمل أن يكتسب عموم الناس الوعي بمثل هذه المخاطر وأن ينتج عن ذلك ضغط على هذه الشركات لتغيير سلوكها إزاء هذه الجوانب الأخلاقية".
أعقبت الندوة مداخلات وتعليقات الحاضرين من الجمهور الذين طرحوا الأسئلة على الخبراء المتحدثين بما أثرى الحوار وأتاح تبادل وجهات نظر متنوعة حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الخصوصية والحرية وأخلاقيات العمل.
"الصالون الثقافي" هو مبادرة مكتبة قطر الوطنية لتحقيق رسالتها الساعية لتمكين المواطنين والمقيمين من التأثير الإيجابي في مجتمعهم عبر توفير بيئة استثنائية للتعلّم والاستكشاف. ويهدف الصالون إلى إتاحة منبر فكري وحوار مفتوح بين نخبة المتخصصين والجمهور العام بما يثري المشهد الثقافي ويعزز الوعي المجتمعي بأهم القضايا والتوجّهات المعاصرة. وفي جلسته الثانية ساهم الصالون في إتاحة ملتقى إيجابي وثري لتبادل الأفكار ووجهات النظر حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتأثيراته على المجتمعات في العالمين العربي والإسلامي.
للاطلاع على جميع فعاليات مكتبة قطر الوطنية، يرجى زيارة موقع المكتبة www.qnl.qa/ar/events أو تطبيق المكتبة للأجهزة الذكية المتاح للتنزيل مجانًا من متجر تطبيقات أبل أو أندرويد.