احتفلت مكتبة قطر الوطنية والمكتبة البريطانية بمرور عقد على إطلاق مكتبة قطر الرقمية، واحدة من أكبر المنصات الإلكترونية المخصصة لتاريخ وثقافة منطقة الشرق الأوسط، بإقامة مؤتمر حضره نخبة من الأكاديميين والباحثين والمختصين لمناقشة أبحاثهم ودراساتهم التي اعتمدت على مكتبة قطر الرقمية. وأبرز المؤتمر المواد الثرية التي تحتويها مكتبة قطر الرقمية وكيف يتسنى للباحثين الاستفادة من هذه البوابة الفريدة في أبحاثهم ومؤلفاتهم.
تقدم مكتبة قطر الرقمية، التي أطلقتها مكتبة قطر الوطنية بالشراكة مع المكتبة البريطانية بهدف حفظ التراث التاريخي والثقافي للمنطقة عبر الرقمنة، إمكانية الاطلاع المجاني عبر الإنترنت على كنوز زاخرة بالمصادر التاريخية الأساسية حول موضوعات السياسة، والشعوب، والتجارة، والثقافة، والعادات في منطقة الخليج والعالم العربي.
وتضم المكتبة الرقمية نحو مليوني ونصف مليون صفحة رقمية من السجلات والخرائط والمخطوطات والصور والرسومات، مدعومة بتعليقات توضيحية وملاحظات تفسيرية باللغتين العربية والإنجليزية.
وبهذه المناسبة، قالت عبير الكواري، مدير إدارة المجموعات الوطنية والمبادرات الخاصة بمكتبة قطر الوطنية: "نحن أمام لحظة تاريخية تؤكد الأهمية الدائمة لحفظ التاريخ العريق للشرق الأوسط وإتاحته لاطلاع العالم".
وأضافت: " مكتبة قطر الرقمية مصدر ثري زاخر يخدم المؤرخين الهواة الذين يبحثون في تاريخ عائلاتهم، والمعلمين الذين يثرون تدريسهم لمادة التاريخ بمصادر جذابة، والأكاديميين في مختلف التخصصات الذين يجرون أبحاثًا ودراسات أكاديمية تفصيلية، وكل منهم سواء كان مهتمًا هاوياً أو عالماً متخصصاً، يسهم على طريقته في بناء وعي جماعي بالسرديات التاريخية التي شكلت منطقتنا".
عُقد المؤتمر في 30 سبتمبر وتضمّن ثلاث جلسات نقاشية محورية تناولت تاريخ الشرق الأوسط، وتاريخ الأعمال في منطقة الخليج، والمخطوطات العربية.
في الجلسة الأولى، شاركت سو آن هاردينغ، أستاذة دراسات الترجمة والثقافات بجامعة كوينز بلفاست، إلى جانب محجوب زويري، أستاذ التاريخ والسياسة المعاصرة للشرق الأوسط في جامعة قطر، وروبرت كارتر، أخصائي الآثار بمتحف قطر. وعبّرت البروفيسورة هاردينغ، التي يتناول كتابها تاريخ شبه جزيرة قطر، عن امتنانها للمصادر والمواد التي توفرها مكتبة قطر الرقمية، مشيرة إلى أنها ما كانت لتستطيع إنجاز كتابها من دون هذه المصادر.
وقالت: "أنا ممتنة كثيرا لأخصائيي المكتبات والفنيين الذين جعلوا هذه الكنوز متاحة مجانًا للجميع، بالإضافة إلى مزايا التكبير التي تمكنك من التدقيق في تفاصيل الخرائط والصور والوثائق المكتوبة بخط اليد. إن مكتبة قطر الرقمية تحفل حقًا بكنز من المصادر والعوالم التاريخية".
ومن جهته، أكد البروفيسور زويري على أهمية كتابة التاريخ المعاصر، موضحاً أن "مكتبة قطر الرقمية ساهمت بشكل كبير في تيسير الوصول إلى المصادر التاريخية المتعلقة بقطر ومنطقة الخليج، عبر إزالة الحواجز أمام البحوث والدراسات التاريخية عن طريق توفير مجموعة شاملة ومتنوعة من المصادر التاريخية التي تمثل مرجعًا أساسيًا للمؤرخين الذين يدرسون المنطقة. ومن خلال توفير مجموعة متنوعة من المواد والمصادر، ساهمت مكتبة قطر الرقمية في إزالة تحدي القيود الجغرافية، الأمر الذي يفتح الباب أمام آفاق جديدة من البحوث والدراسات العلمية".
ومن جانبه، ناقش الدكتور كارتر مساهمة مكتبة قطر الرقمية في مجال الآثار التاريخية في قطر.
وفي الجلسة الثانية، قدّم جوليانو جارافيني، أستاذ مشارك في جامعة "روما تري" محاضرة عن أزمة النفط في عام 1973. أما مايكل أوسوليفان، أستاذ مساعد في تاريخ جنوب آسيا بجامعة نورث كارولاينا، فقد تناول دور الشحن العثماني في المحيط الهندي والبصرة بصفتها نقطة محورية في منطقة الخليج.
أما في الجلسة الثالثة، تناولت أميلي كوفرات ديسفيرنيس، وهي أخصائية مستقلة في حفظ الورق والكتب من هولندا، تاريخ إنتاج الورق واستيراده واستخداماته في إيران خلال القرن التاسع عشر.
كما تحدث دانيال مارتن فريسكو، عالم الأنثروبولوجيا والمؤرخ والأستاذ السابق في جامعة قطر، عن تقاليد الروزنامات في الخليج العربي. وقدّمت نوال نصر الله، كاتبة متخصصة في الأطعمة العراقية ومقيمة في الولايات المتحدة، محاضرة بعنوان "ذكريات من العام الذي أنقذتني فيه مكتبة قطر الرقمية".
وقالت نوال نصر الله: "لقد كانت مكتبة قطر الرقمية أداة لا تقدر بثمن للباحثين مثلي، إذ تشكل مخطوطات العصور الإسلامية الوسطى، سواء النصوص أو الرسومات، الركيزة الأساسية لدراساتنا وأبحاثنا، وإتاحة هذه المخطوطات بصيغة رقمية سهّل علينا مهمة كانت تبدو شاقة، وزاد من ثراء النتائج البحثية".
مكتبة قطر الرقمية هي مبادرة أطلقتها صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، وكانت محور استراتيجية مكتبة قطر الوطنية لرقمنة السجلات التاريخية المتعلقة بالمنطقة من مختلف أنحاء العالم، وإعادة توطينها رقميًا في قطر.
أطلقت مكتبة قطر الوطنية حملة الرقمنة لمكتبة قطر الرقمية في عام 2014، بعد عامين من شراكتها مع المكتبة البريطانية. وبدأت عملية الرقمنة بمجموعة السجلات التاريخية الأكثر أهمية لدى المكتبة البريطانية وتتضمن سجلات وخرائط وصورًا متعلقة بقطر والخليج من مجموعة سجلات مكتب الهند والأوراق الخاصة.
واليوم، تغيّر مكتبة قطر الرقمية الطريقة التي يجري بها الباحثون والطلاب أبحاثهم في التاريخ والعلوم في العالم العربي، إذ تتيح الاطلاع والتصفح الفوري لثروة من المصادر الأولية والمقالات المتخصصة التي تقدم معلومات عميقة حول ماضي المنطقة وسكانها.
وتستقطب مكتبة قطر الرقمية سنويا أكثر من 200 ألف زائر وأكثر من مليوني مشاهدة لصفحاتها. وقد ساهم تعزيز الوصول إلى الموارد التاريخية في زيادة أعداد الدراسات البحثية والأكاديمية الجديدة حول منطقة الخليج، وربط الأجيال الجديدة بأسلافهم، وإثراء الأبحاث حول الثقافة في العالم العربي.
وتسلّط مجموعات مكتبة قطر الرقمية الضوء على ممارسات التجارة في المنطقة، والحربين العالميتين، وصناعة النفط، والإدارة الاستعمارية البريطانية للمنطقة، والمعاهدات، والملاحة البحرية، والعمليات العسكرية، والطيران المدني، والمنتديات الاقتصادية، والقومية العربية، والطب. كما تضم المكتبة مجموعة نادرة من المخطوطات العربية والإسلامية في مجموعة من الموضوعات، منها الطب والفلك والرياضيات والهندسة والجغرافيا وعلوم الحرب.