عقدت مكتبة قطر الوطنية هذا الأسبوع منتدى افتراضيًا لتسلّيط الضوء على الجهود المبذولة في مواجهة الاتّجار غير القانوني بالآثار والمواد الثقافية في المنطقة، وذلك بصفتها المركز الإقليمي للاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات (الإفلا) المعني بصيانة مواد المكتبات والمحافظة عليها في المنطقة العربية والشرق الأوسط.
وخلال المنتدى، الذي كان تحت عنوان "المنتدى الافتراضي عن الاتجار غير القانوني بالآثار والمواد الثقافية"، ناقش الخبراء أطر منظومة الاتجار غير القانوني بالآثار الثقافية وأطرافها ومحركيها، والجهات المتورطة في كل مرحلة من مراحل التهريب والاتجار غير الشرعي، كما تناول المنتدى مفهوم السلعة الأثرية غير القانونية، من حيث المصدر ومسارات النقل والتهريب والدول المستهدفة للتسويق.
ويأتي هذا المنتدى الافتراضي، الذي أقيم يومي 7 و8 فبراير ، ضمن سلسلة محاضرات مشروع "حماية"، وهي مبادرة أطلقتها المكتبة لمكافحة الاتّجار والتداول غير القانوني للتراث الوثائقي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والدول المجاورة. ومن الأهداف المُهمة لمشروع "حماية" تعزيز التعاون بين المنظمات الدولية والإقليمية لحماية التراث الوثائقي وإحباط التهريب والإتّجار غير القانوني بالمواد التراثية والثقافية.
واستضاف المنتدى السيدة فيرونيكا كوستاريلي، مدير المشروعات في حملة الإغاثة العاجلة للسوريين على الحدود بالتنسيق مع المنظمة الدولية للهجرة، وباحثة في تهريب الآثار بعد الأزمات، والدكتور صامويل أندرو هاردي، وهو زميل باحث ما بعد الدكتوراه في التراث الثقافي والصراعات في المعهد النرويجي في روما بجامعة أوسلو.
وسلّط المتحدثون في المنتدى الضوء على سوريا والعراق كنموذجين تطبيقيين لتوضيح السمات الرئيسية لعمليات تهريب الآثار بغرض الاتّجار غير القانوني بها وطبيعة هذا النشاط في كونه عابرًا للدول والحدود.
وألقى سعادة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية، كلمة خلال الندوة قال فيها:
"كانت منطقة الشرق الأوسط، ولقرون طويلة، بوتقة تجمع مختلف الحضارات التي تركت وراءها العديد من القطع الأثرية ذات القيمة التاريخية والمعنوية والجمالية، ناهيك عن فخر واحترامِ أصحابها والقائمين عليها.
وتهريب الآثار ليس بظاهرة جديدة، إلا أنه قد تزايد على مدار السنوات الأخيرة. ونرى ارتفاع معدل التهريب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وإفريقيا الغربية والوسطى، نظرًا لحالات الصراع وانعدام الأمن في تلك المناطق، خصوصًا، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، في كل من سوريا والعراق وليبيا والسودان واليمن وتشاد ومالي والنيجر. وكثيرًا ما ترتبط عمليات التهريب بنشاطات الجماعات الإجرامية والإرهابية، والتي تستغل هذه الآثار لزيادة دخلها وغسيل أموالها.
والاتَّجار في هذه المواد التراثية سَرقةٌ لحقوق الشعوب وتزويرٌ لتاريخ الأممِ وإلغاءٌ لتاريخها وهويتها. وفي الوقت الذي يحقّق فيه المجرمون أرباحًا طائلة، فإنهم أيضًا يحرمون الإنسانية من الوصولِ إلى المعلومات والقطع الأثرية التي تخبرنا عن تراثنا الإنساني المشترك.
ومن الضروري للمجتمع الدولي أن يتحرك من أجل تصحيح هذه الأفعال وإعادة المسروقات إلى أصحابها. لذا، نؤمن في مكتبة قطر الوطنية بدور المثقفين في جميع أنحاء العالم، ومسؤوليتهم الأخلاقية تجاه هذه القضية، ويحدوني الأمل بأن يؤدي هذا المنتدى دورًا في تسلّيط الضوء على الاتّجار غير القانونيّ بالآثار والمواد الثقافية، وأن يُسهم في معالجة هذه المشكلة الخطيرة بشكل علمي ومنصف. فالمِلكية الثقافية جزء من التراث المشترك للبشرية، ومن مصلحة الجميع أن نطوّر إطار عملٍ لصون التراث الثقافي في منطقتنا وخارجها".
وقالت فيرونيكا كوستاريلي، مدير المشروعات في حملة الإغاثة العاجلة للسوريين على الحدود بالتنسيق مع المنظمة الدولية للهجرة، والباحثة في تهريب الآثار بعد الأزمات: "نظرًا لثراء التراث في المنطقة العربية والصراعات والحروب في عدد من الدول العربية، زادت عمليات تهريب الآثار والتحف التاريخية في المنطقة والاتّجار بها الأمر الذي بات يهدد تراثها الثقافي. وعلى المتخصصين اتّخاذ كل ما يلزم لنشر الوعي بشأن الاتّجار بالآثار ومساعدة الخبراء وجهات تطبيق القانون على مواجهة هذا النشاط الإجرامي".
ومن جانبه قال الدكتور صامويل أندرو هاردي، زميل باحث ما بعد الدكتوراه في التراث الثقافي والصراعات في المعهد النرويجي في روما بجامعة أوسلو: "تميل المنظمات الدولية المسؤولة عن مكافحة الاتّجار بالقطع الأثرية إلى التركيز على التداول غير القانوني للمواد الأثرية والفنية. ولكن وبرغم كل هذه المساعي، ثمة الكثير مما يتعين علينا القيام به فيما يتعلق بالتراث الوثائقي الذي بات اليوم أكثر عرضة للخطر لأنه أقل حماية بموجب التشريعات الوطنية كما يسهل نقله بشكل غير قانوني".