تضيء العلامات المائية جانبًا كبيرًا من تاريخ المخطوط وتجيب على العديد من الأسئلة حول تاريخ النسخ على المخطوط أو الكتابة الأصلية، والعلامات التجارية لورش تصنيع الورق فضلاً عن جودة ورق المخطوطات. ولتعريف المختصين بالمخطوطات والباحثين والعلماء والطلاب بأهمية هذه الرموز المهمة على ورق المخطوطات، نظمت مكتبة قطر الوطنية، بالتعاون مع المكتبة الوطنية الجزائرية، خلال شهر مارس الجاري، سلسلة من المحاضرات التي تركز على العلامات المائية.
تقام هذه المحاضرات في إطار دور مكتبة قطر الوطنية كمركز الإفلا الإقليمي لصيانة مواد المكتبات والمحافظة عليها في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وتقدمها الباحثة الجزائرية فطومة بن يحيى، رئيس مصلحة المخطوطات والمؤلفات النادرة في المكتبة الوطنية الجزائرية، التي ناقشت في المحاضرتين الأوليين موضوعات ما بين دلالات العلامات المائية وتصنيفها إلى الفترات الزمنية المدروسة للورق. جدير بالذكر أن فطومة بن يحيى هي المرأة العربية الأولى والوحيدة التي ترأس قسمًا للمخطوطات والكتب النادرة.
وعلقت فطومة بن يحيى بقولها: "في سياق هذه المحاضرات، نود أن نلفت انتباه الباحثين في العالم العربي إلى موضوع العلامات المائية والموضوعات المتنوعة المرتبطة بها، مثل التخصصات المختلفة كالتاريخ وتاريخ الفنون ودلالات العلامات المائية واستخدام التكنولوجيا الحديثة في خدمة الأبحاث في هذا المجال. وأثناء التحضير لهذه المحاضرات ومن خلال البحث في هذا الموضوع، اكتشفنا أن العالم العربي يخلو من أي كتابات أو دراسات سابقة عن هذا التخصص، بينما قد أصبح هذا العلم تخصصًا منفردًا قائمًا بذاته في الجامعات الغربية اسمه بالإنجليزية (filigranology) ويعني علم دراسة المخطوطات".
سلطت المحاضرة الثانية التي أقيمت في 8 مارس الضوء على أشكال العلامات المائية، وتصنيفها ودلالاتها، وتطرقت إلى فرضية أن تكون رموز العلامات المائية رسائل أو حروف اختارتها مصانع الورق آنذاك. كما تناولت المحاضرة العلامات المائية الفرعية التي ظهرت في القرن العاشر الهجري، والبلدان التي استعملت العلامات المائية والأشكال المستعملة في هذه البلدان. وكانت المحاضرة الأولى قد أقيمت في 6 أكتوبر الماضي بعنوان "العلامات المائية أداة لمعرفة عمر المخطوطات".
وفي المحاضرة الثالثة التي أقيمت في 15 مارس، عرضت فطومة بن يحيى أهم فهارس العلامات المائية، والأشكال المستعملة في كل فهرس، والفترات الزمنية المدروسة في كل فهرس ورقي أو إلكتروني. واستشهدت بموسوعة شارل بريكي، عالم العلامات المائية السويسري الشهير، التي تغطي العلامات المائية من سنة 1282 إلى 1600م. وكان الهدف من هذه المحاضرة هو مساعدة الباحثين في اختصار الوقت أثناء البحث عن تاريخ نسخ مخطوطة تتضمن علامة مائية معينة من خلال معاينة الفهرس الذي يحتوي على العلامة المائية محل الدراسة مباشرة دون تضييع الوقت في البحث داخل كل الفهارس.
في المحاضرة الرابعة التي ستقام في 22 مارس بعنوان "إشكالية تحديد عُمر الورق بين تاريخ الصنع والاستعمال"، تقارن فطومة بن يحيى المقارنة بين رأي كل من العالم والأديب الروسي ديميتري ليخاتشوف وشارل بريكي، حول الفترة القصوى التي يستغرقها الورق منذ تاريخ التصنيع إلى تاريخ النسخ عليه بحسب المسافة بين مكان الصنع ومكان النسخ.
وفي 29 مارس، تتحدث فطومة بن يحيى في المحاضرة الخامسة والأخيرة عن موسوعة العلامات المائية الضخمة من 4 مجلدات التي أعدها شارل مويز بريكي، وتضم 16,112 علامة مائية رفعها من المكتبات ومراكز الأرشيف والوثائق الرسمية للمحاكم ومحاضر الموثقين في بلدان مختلفة من أوروبا.
وقد بلغ عدد المشاركين في المحاضرات السابقة من هذه السلسلة أكثر من 100 متخصص في كل محاضرة. ويستطيع أفراد المجتمع والطلاب والباحثين والعاملين في مجال المخطوطات التسجيل للمشاركة في المحاضرتين التاليتين ضمن سلسلة محاضرات العلامات المائية عن طريق زيارة صفحة الفعاليات على موقع مكتبة قطر الوطنية www.qnl.qa/events.