هذه قصة من وحي الخيال للكاتبة فيونا فورسيث، عضو حلقة الكتابة بالمكتبة، وهي جزء من سلسلة من المدونات بمناسبة اليوم الوطني لدولة قطر. اقرأ المدونة الأولى ضمن هذه السلسلة هنا.
كان الفتى يعمل في ذلك الجزء من مغاص اللؤلؤ طوال الصباح وقد أدركه التعب. كانت ينتظر الإعلان عن استراحة منتصف اليوم قريبًا. استحوذت فكرة الطعام والراحة على عقله عندما نزع تلك المحارة من قاع البحر ووضعها في شبكته. شدّ الحبل تلقائيًا وأغلق عينيه استعدادًا للإحساس بموجات الجذبة القوية وفقدانه للوعي عند سحبه مرة أخرى إلى ضوء الشمس.
العاملان اللذان كانا يجذبانه رأيا عينيه الشاردتين ووضعاه برفق على سطح السفينة تحت المظلة. بقي أحدهما بجواره ليعيده إلى الوعي، بينما أخذ الآخر الشبكة المليئة بالمحار إلى النوخذة (قبطان السفينة).
أخذ النوخذة الشبكة وقلبها من الداخل للخارج بلف معصميه في حركة سريعة ومتقنة. بدأ بالمحارة الأولى، طعنها بسكينه قبل أن يلفها بقوة ليفتح صدفتيها المغلقتين. محارة الفتى كانت الرابعة التي يلتقطها ولم يكن قد فتحها بعد عندما خامره ذلك الشعور الذي طالما حدثه عنه والده.
الشعور بأن هذه المحارة تحوي اللؤلؤة التي ستغير حياته. تبدد همه حول سداد نصيبه من القارب، وسكن حزنه الذي ما زال متقدًا حول البحار الذي لقي مصرعه في عاصفة العام الماضي. خبت عاصفة أفكاره وهدأت مشاعره في أعماقه.
كاد التاجر يفقد الوعي من فرط الذهول عندما أظهر له النوخذة الجوهرة. وما إن أفاق من ذهوله حتى سارع بالانضمام إلى قافلة كانت تعبر الصحراء العربية في نهاية موسم الصيف الذي يشهد عادة ازدياد صيد اللؤلؤ. على ساحل البحر الأحمر، باع اللؤلؤة إلى يوناني ثري جدًا من الإسكندرية، وكاد عقله يطير من الفرح وهو يعود إلى الوطن بثروته الجديدة، حالمًا بأسطول من القوارب الجديدة التي تبحر ذهابًا وجيئة على ساحل شبه الجزيرة.
خبأ السكندري لؤلؤة كتارا بعناية في كيس من القطن الناعم علقه حول رقبته. استعرض في ذهنه الأسواق المختلفة التي بوسعه بيع الجوهرة فيها، وعزم على الذهاب إلى روما. فأحد معارفه في المدينة أخبره بأن هناك إقبال كبير على اللؤلؤ بين طبقات الأثرياء. جعل صائغه المفضل ينظم اللؤلؤة في سلسلة دقيقة من الذهب. ولن يمر وقت طويل قبل أن يحيط هذا العقد الثمين بجيد سيدة رومانية راقية تزينها جوهرة تشبه دمعة من الفضة ولون القشدة. ابتسم في نفسه وهو يتخيل رحلة اللؤلؤة في ذهنه.
رفع الصائغ الشهير في روما عينيه اللتين كانتا تفحصان اللؤلؤة ليجد يوليوس قيصر قد دخل متجره توًا. لم يبذل الصائغ جهدًا في إخفاء سعادته بالمشتري الثري. كان قيصر على وشك الزواج، وبالتأكيد لن يليق بعروسه الشابة كريمة المنشأ سوى قلادة فاخرة من اللؤلؤ الثمين لكن قيصر كان في مهمة أكثر حساسية: لقد احتاج إلى هدية وداع لحبه لسنوات عديدة، سيرفيليا. كانت قد بلغت الأربعينيات من عمرها، رغم أنها لا تزال جميلة، وبينما لم يستطع الزواج منها، كان بإمكانه صد خيبة أملها بلؤلؤة خاصة.
قبلت سيرفيليا اللؤلؤة بطريقة فلسفية وتأكدت من أن كل شخص من معارفها قد رآها. احتفظت بها لمدة خمسة عشر عامًا، ولكن في اليوم الذي تم فيه حرق جثة يوليوس قيصر في محرقة مؤقتة في وسط روما، ألقت باللؤلؤة في قلب النار، وهي تصلي بشدة من أجل شيء تعرف أنه مستحيل. دمعت قطرات المطر على خديها وهي تقدم تضحيتها، لكن آلهتها لم تجب.
وبعيدًا عن روما، أصبح الفتى الذي وجد اللؤلؤة رجلاً حراً يقود سفينة في أكبر أسطول في شبه الجزيرة العربية. وقف على طرف السفينة ليشاهد رجاله وهم يعملون على تهيئة بدن السفينة لصيفها الأول من صيد اللؤلؤ. شقت السفينة عباب البحر في سكينة بينما نظر هو إلى أفق البحر بقلب طموح ونفس مفعمة بالأمل.
إضافة تعليق جديد