مكتبة قطر الرقمية هي أكبر أرشيف رقمي في العالم متخصص في تاريخ الشرق الأوسط وأكثرها أهمية. تم إطلاق المكتبة في أكتوبر 2014 بمبادرة من صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر ضمن إطار الشراكة بين مؤسسة قطر ومكتبة قطر الوطنية والمكتبة البريطانية. وتضع استراتيجية مكتبة قطر الوطنية في مقدمة أولوياتها رقمنة السجلات التاريخية حول العالم المتعلقة بتاريخ دولة قطر وتراثها ومنطقة الخليج، ونشر نسخة رقمية عنها في قطر عبر البوابة الإلكترونية لمكتبة قطر الرقمية، حتى تتاح للقطريين فرصة قراءة تاريخ بلادهم عن قرب والإحاطة بكافة جوانبه. ولا تقتصر إمكانية الاطلاع على هذه الوثائق التاريخية المنشورة على منصة مكتبة قطر الرقمية على القطريين فقط، بل هي متاحة لجميع المهتمين في أي مكان في العالم مع إمكانية تنزيل الوثائق الرقمية واستخدامها بلا أي مقابل تشجيعًا للباحثين على كتابة المزيد من الدراسات والأبحاث حول التاريخ الحافل لقطر والمنطقة المحيطة بها. وفي الوقت نفسه، تمثل مكتبة قطر الرقمية جانبًا من جهود مؤسسة قطر لتعزيز تطوير الاقتصاد القائم على المعرفة ودعم البحوث المبتكرة والأصيلة المتعلقة بدولة قطر ومنطقة الخليج.
بدأت مكتبة قطر الرقمية رقمنة الأرشيفات بمخطوطات ووثائق المكتبة البريطانية، التي تحتوي على المجموعة الأكثر أهمية وقيمة على مستوى العالم من السجلات والوثائق والخرائط والصور الفوتوغرافية ذات الصلة بقطر والخليج، ضمن مجموعة السجلات والأوراق الخاصة بمكتب الهند. ومنذ عام 2018، بدأت مكتبة قطر الوطنية بتوسيع نطاق جهودها في نشر المخطوطات الرقمية ذات الصلة بقطر والخليج الموجودة في المؤسسات الأرشيفية الأخرى حول العالم في كل من المملكة المتحدة وفرنسا وهولندا وروسيا وتركيا والهند، بما يؤدي إلى تعزيز التأثير العالمي لمؤسسة قطر.
وفي مايو 2021، تحتفل مكتبة قطر الرقمية بنشر الوثيقة الرقمية رقم مليونين، وهي وثيقة ذات أهمية خاصة بالنسبة لدولة قطر، إذ هي رسالة من مجموعة المكتبة البريطانية كتبها عيسى بن طريف، شيخ قبيلة آل بن علي، بتاريخ 4 ذوالعقدة لعام 1259 هجرية (الموافق 27 نوفمبر عام 1843)، إلى المقدم صمويل هينيل، المقيم السياسي البريطاني في بوشهر على الساحل الإيراني، قال فيها:
"أكتب إليكم لأحيطكم علمًا بأنني تشرفت باستلام رسالتكم الكريمة والطيبة التي تخبرني بوصولكم في هذه الأنحاء. ولقد ابتهجت كثيرًا لما بيننا من صداقة قديمة أدعو الله أن تدوم ... لقد نزلنا في ساحل قطر في ناحية الجنوب في البدع، وأمورنا مستقرة ومحمودة... "
(ترجمة - النص الأصلي باللغة الإنجليزية)
هذا هو نص الرسالة كما ترجمها أرنولد كيمبول، مساعد المقيم في الخليج، لكن الأصل العربي لم يصل إلينا. وتتسم الرسالة بالأسلوب المعتاد للمراسلات الدبلوماسية في ذلك العصر. وكان حكام الخليج آنذاك يضيفون عبارات للثناء والإطراء قد تبدو مبالغًا فيها مقارنة بتقاليد المراسلات في الوقت الحالي. لكن عيسى بن طريف كان يحركه باعث آخر. فبريطانيا هي القوة العالمية الوحيدة في المنطقة آنذاك، وكان يريد استمالة صمويل هينيل والتقرب إليه. فلو أن الأخير رأى انتقاله إلى البدع تهديدًا مُحتملاً للسلم والاستقرار في قطر، فقد يتخذ إجراءً ضده. وتأتي رسالة عيسى بن طريف في ضوء هذا السياق لتعطينا لمحة عن عالم الدبلوماسية في الخليج في القرن التاسع عشر، وتكشف أنه كان دبلوماسيًا بارعًا ومقنعًا.
تركت وفاة عيسى بن طريف المفاجئة في إحدى المعارك في نوفمبر 1847 فراغًا في السلطة في قطر شغله في النهاية حاكم فويريط حينذاك الشيخ محمد بن ثاني، الذي انتقل إلى البدع لإدارة شؤون المدينة، ومن هنا كانت بداية سطوع نجم عائلة آل ثاني التي تولّت بعد ذلك حكم قطر بأكملها.
يمكن الاطلاع هنا على نبذة تاريخية مختصرة عن الحياة الحافلة لعيسى بن طريف.
إضافة تعليق جديد