حماية تراث المنطقة والحفاظ عليه من المهام الرئيسية التي تضطلع مكتبة قطر الوطنية بتحقيقها، فحماية تاريخ المنطقة ومعارفها والارتقاء بها ركيزة أساسية في عملنا اليومي، حيث نعتز كثيرًا بصون واقتناء العديد من المواد والصور والذخائر التاريخية في المكتبة التراثية، التي يصل عمر بعضها إلى ألف عام، ويُصنف الكثير منها ضمن الرموز الأصيلة التي تجسد تاريخ المنطقة. ومن أبرز هذه الرموز الملحمة الفارسية الضخمة "الشاهنامة" أو "كتاب الملوك" التي نظمها الشاعر الفارسي أبو القاسم الفردوسي للسلطان محمود الغزنوي في وقت ما بين 977 و1010 ميلادية.
تروي قصيدة الشاهنامة في أكثر من 50 ألف بيت تاريخ الإمبراطورية الفارسية ابتداء من خلق الأرض حتى الفتح الإسلامي لفارس في القرن السابع الميلادي عندما انهارت الإمبراطورية الساسانية وتراجعت الديانة الزرادشتية.
والشاهنامة واحدة من أطول القصائد الملحمية في العالم، وتعتبرها الشعوب التي تأثرت أو كانت تابعة للإمبراطورية الفارسية، مثل إيران وأذربيجان وأفغانستان وجورجيا وتركمانستان، من أغلى ذخائرها وكنوزها التراثية، كما أن لها شهرة واسعة في العالم بأسره باعتبارها واحدة من روائع الأدب الإنساني.
تعرض المكتبة التراثية مخطوطتين كاملتين من القصيدة، ويعود تاريخ أقدمها إلى عهد الدولة الصفوية وتحديدًا عام 1589 ميلادية، أما المخطوطة الثانية فيرجع تاريخها إلى عام 1823 ميلادية وعلى غلافها صورة للبطل رستم الذي يبدو نائمًا في الجزء المعروض من القصة، غير مدرك أن تنينًا عملاقًا يقترب منه. يوقظ الحصان "رخش" البطل رستم عدة مرات وفي كل مرة كان التنين يخفي نفسه، حتى رآه رستم أخيرًا فقطع رأسه.
تعرض المكتبة التراثية أيضًا منمنمة من أوائل القرن السادس عشر تصور الصراع على السلطة بين الملكين "أفراسياب" و"منوشهر". وتظهر اللوحة المصغرة (المنمنة) "منوشهر" وهو يحمل سيف أفراسياب، آخر ملوك توران، الذي أذعن للهزيمة بعد صراع مرير وطويل بين المملكتين.
الجزء الأخير المعروض من قصيدة "الشاهنامة" هو صفحة واحدة يرجع تاريخها إلى عام 1617 وهي للرسام الفارسي "مُعين مصور". يقف في هذه الصورة المرسومة البطل رستم في مواجهة جيش التحالف الصيني التوراني الذي يضم في صفوفه فيلة ضخمة، ويقتحم صفوف العدو ويأسر الحاكم الصيني بعد يلقي الوهق (حبل ينتهي بأنشوطة) حول رقبته ويسقطه من فوق فيله.
مثل هذه المعروضات والقصص هي من أبرز المعالم والذخائر التي تميز التراث والثقافة في منطقة الخليج والشرق الأوسط بأسرها. وقد أخذت مكتبة قطر الوطنية على عاتقها مهمة حفظ تاريخنا وتراثنا وصونه وإتاحته مجانًا لشرائح واسعة من الجمهور داخل قطر وخارجها.
إضافة تعليق جديد