* تُرجمت هذه المدونة بتصرف، مع بعض التعديلات الضرورية، من المدونة الأصلية التي نشرت كجزء من مبادرة Global Literature in Libraries Initiative: #QATARILITMONTH
المساجد هي بيوت الله التي أذن أن تقام ويُرفع فيها اسمه وهي مهابط رحمته ومغفرته. وهي من أطهر البقاع وأحبها إلى الله تعالى. وفي فضل المساجد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "المساجد بيوت الله في الأرض، وهي تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض." وقد أضافها الله عز وجلّ إلى نفسه إضافة تعظيم وتشريف، فقال تعالى: "وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً". وعن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أن رسول الله ﷺ قال فيما يرويه عن ربه: "إنّ بيوتي في أرضي المساجد، وإنّ زوّاري فيها عمّارها، فطوبى لعبد تطهّر في بيته ثم زارني في بيتي فحقّ على المزور أن يكرم زائره". وعن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه عن النبي ﷺ قال: ("إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، فقد قال الله تعالى: "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر"). وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي ﷺ قال: "سبعةٌ يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله" وذكر منهم "ورجل قلبه معلّق بالمساجد". وقد وعد الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بفضل عظيم لمن ارتاد المساجد، فعن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي ﷺ قال: "من غدا الى المسجد أو راح، أعدّ الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح".
ولمِا للمساجد من قيمة عظيمة في نفوس المسلمين، فقد اعتنى المسلمون بالمساجد على مرّ العصور، فأبدعوا في عمارتها وتشييدها، وفي زخرفتها وتجميلها حتى باتت معالم بارزة ومحطّات يشار إليها بالبنان في كل مكان. وفي الدول الإسلامية جمعاء، يكاد لا يخلو حيّ من مسجد، صغيرًا كان أو كبيرًا. وهنا في قطر خير مثال على ذلك، فأنت إن سرت في مدن قطر وشوارعها وأحيائها، لن تجد حيًا إلا وفيه مسجد.
عبر الأجيال: المساجد القديمة في قطر
وفقًا للبحوث التاريخية، يُرجَّح أن المساجد بُنيت في قطر في بدايات القرن السابع مع وصول الإسلام لهذه البقاع. وقد اهتمّ القائمون على الشأن التراثي في البلاد بإعادة ترميم المساجد القديمة وحمايتها باعتبارها مواقع أثرية مهمة تحكي الكثير عن تاريخ قطر وملامح العمارة الإسلامية فيها. وبعض المساجد التاريخية التي أُعيد ترميمها لازالت تقام فيها الصلوات حتى يومنا هذا، والبعض الآخر، خصوصًا تلك الضاربة في القِدم، أضحت مواقع أثرية تلهم أجيال المستقبل وزوّار قطر للتعرّف على تاريخ قطر وماضيها العريق. ومن أهمّ تلك المساجد التاريخية في قطر نذكر في هذه المدونة مسجد الشيوخ ومسجد القبيب.
مسجد الشيوخ
يُطلق على مسجد الشيوخ (الجامع الكبير)، ويذكر كتاب "مساجد قطر وتاريخها وعمارتها" للدكتور محمود رمضان أن مسجد الشيوخ ينتمي إلى مساجد قطر في النصف الثاني من القرن العشرين ميلادي. فقد شُيّد مسجد الشيوخ في عام 1913 - 1914 على يد الشيخ عبد الله بن جاسم، حاكم قطر آنذاك، ويقع إلى جانب قصر الشيخ عبد الله الذي يُعرف الآن بالديوان الأميري.
وقد بُني هذا المسجد في الأصل من مواد البناء الأساسية المستخدمة في ذلك الوقت، وهي الطين والحجر والخشب، ولكن جرى تجديده في عام 1959. وبعد التجديد، حافظ المسجد على طرازه المعماري الأصيل، ولكن أضيفت إليه بعض الملامح الجديدة بما في ذلك مئذنة خضراء عالية. ويمكن رؤية مسجد الشيوخ بسهولة من المنطقة المحيطة بالديوان الأميري وسوق واقف والكورنيش.
مسجد القبيب
يتميّز مسجد القبيب بعمارة إسلامية بديعة وتاريخ تليد وذلك لأن تأسيس هذا المسجد يعود إلى عهد مؤسس دولة قطر الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني، الذي أمر بتشييده عام 1878. ومنذ ذلك الوقت، شهد المسجد عمليات ترميم وتوسعة وتطوير مع المنطقة المحيطة به. ويعدّ المسجد وجهة أثرية وتاريخية ودينية في قلب الدوحة بجوار سوق واقف والكورنيش.
صورة جوية لمسجد القبيب قبل التجديد
مسجد القبيب اليوم
ووفقًا للمتخصصين في المباني التاريخية والأثرية، يتميّز مسجد القبيب بقدرته على تحمّل الظروف المناخية القاسية نظرًا لبراعة هندسته المعمارية ومواد البناء المستخدمة فيه والتي أسهمت في أن يظل هذا الصرح شامخًا حتى يومنا هذا. ويذكر أهل الدوحة قصة قديمة عن هذا المسجد، وهي حينما هطلت أمطار شديدة وتهدّمت معظم بيوت الطين آنذاك وسقطت، لم يجد أهل الدوحة ملجأً يحميهم من المطر سوى هذا المسجد الذي ظل صامدًا يقاوم الرياح العاصفة والأمطار وعوامل الطبيعة القاسية لأكثر من مئة عام دون الحاجة لإجراء عمليات ترميم كبيرة لهذا المبنى العريق.
ولمسجد القبيب سِمة معمارية بارزة هي السبب وراء تسميته، وهي مجموعة القباب التي تزّين سقفه ويبلغ عددها 44 قبة بالإضافة إلى قبتين أصغر حجمًا على سقف المحراب، وقد بُنيت نوافذ المسجد الجميلة لتعمل كنظام طبيعي لتهوية المبنى وتبريده.
مسجد الشيوخ وبرج الساعة اليوم
مسجد الشيوخ وبرج الساعة 1968 - مجموعة مكتبة قطر الوطنية من الصور التاريخية
وللمسجد سِمة أخرى مهمة، وهي أنه يشبه في مخططه المسجد النبوي الشريف. وهو مكوّن من بيت للصلاة، وستة أروقة، ومئذنة، ومحراب. للاطلاع على باقة منوّعة من صور المساجد القطرية القديمة، يمكنك البحث في المستودع الرقمي لمكتبة قطر الوطنية أو الضغط هنا.
مساجد فريدة في قطر
على مرّ العصور الإسلامية، لم يقتصر دور المساجد على كونها دورًا للعبادة فحسب، فللمساجد أهمية كبيرة في المجتمع الإسلامي. فحينما هاجر المصطفى ﷺ من مكة إلى المدينة، كان أول ما قام به هو بناء المسجد النبوي الشريف ليكون اللبنة الأولى في بناء مجتمع إسلامي مثالي، ومنه انطلق النبي ﷺ في تعليم الناس أمور دينهم وحياتهم وسنّ الأحكام وبناء دولة الإسلام. واليوم، تختلف المساجد في دورها الديني والمجتمعي، فمنها مساجد صغيرة يقتصر دورها على إقامة الصلاة، وبعضها به مركز لتحفيظ القرآن، والبعض الآخر يعقد الدروس والندوات وحلق العلم، وبعضها الآخر يكاد أن يكون جامعة ومركزًا تعليميًا قائمًا بذاته.
وتضمّ قطر عدة مساجد مميزة، اختلفت عن بقية المساجد إما بسبب هندستها المعمارية الفريدة أو دورها الديني والمجتمعي، وفيما يلي ثلاثة أمثلة لمساجد مميزة في قطر.
جامع المدينة التعليمية
يقع هذا الجامع المميز في المدينة التعليمية في مبنى "ذو المنارتين" كجزء من كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة. وكما يظهر في الصور، يحتوي هذا الجامع على مئذنتين مائلتين باتجاه القبلة. ويضمّ الجامع، ذو الهندسة المعمارية الخلّابة المستوحاة من الفن الإسلامي، خمسة أعمدة تمثّل أركان الإسلام الخمسة، منقوش على كل عمود منها آية من القرآن الكريم.
وقد حصد هذا الجامع المميز، الذي يمثّل تحفة معمارية ذات جمال أخّاذ تربط بين التراث وروح العصر في تناغم فريد، عدة جوائز للهندسة المعمارية من منظمات هندسية إقليمية ودولية.
مئذنتا جامع المدينة التعليمية
ولا ينحصر دور هذا الجامع على إقامة الصلوات فحسب، فجامع المدينة التعليمية يقدّم باقة من الأنشطة والفعاليات والبرامج الدينية والثقافية مثل دورات الخط العربي على سبيل المثال.
لا شيء يضاهي شعور التجربة الشخصية حين تدلف إلى أروقة هذا المبنى الذي تحيطك جدرانه البيضاء الضخمة والمنقوشة بالآيات القرآنية مثل لوحات فنية بديعة تستلهم عبق الأصالة والتراث وتستشرف آفاق المستقبل. ولكن، يمكنك مشاهدة الفيديو التالي الذي سيساعدك على تخيّل هذه التجربة الجميلة.
لمزيد من المعلومات والصور حول جامع المدينة التعليمية يمكنك الاطلاع على موقع (Visit Qatar) أو موقع (Mosqpedia).
مركز عبد الله بن زيد آل محمود الثقافي الإسلامي (الفنار)
يُعرف مركز عبد الله بن زيد آل محمود الثقافي الإسلامي أيضًا باسم المركز الثقافي الإسلامي القطري أو "الفنار". ويحمل المسجد اسم العلّامة القطري مؤسس النظام القضائي في قطر الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود تخليدًا لذكراه. ويعدّ هذا المَعلَم بمثابة منظمة ثقافية إسلامية تقع في قلب الدوحة بالقرب من منطقة الكورنيش ويمكن التعرّف عليه بسهولة من خلال مئذنته الحلزونية المميزة.
ويُعتبر "الفنار" مركزًا مهمًا للتراث الإسلامي واللغة العربية، ويضمّ مكتبة، وقاعة للعرض، وقاعات للمحاضرات، كلها مجموعة في مبنى واحد. ويقوم هذا المركز بنشر وتوزيع كتيبات سهلة القراءة بالعديد من اللغات المختلفة للتعريف بالثقافة الإسلامية والدين الإسلامي. كما يقدّم دروسًا ودورات في اللغة العربية للمسلمين الجدد. وكان مسجد "الفنار" أكبر مسجد في قطر حتى تاريخ بناء المسجد التالي، جامع محمد بن عبد الوهاب، في عام 2011.
جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب – أكبر جامع في دولة قطر
جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب – الصورة من الموقع الرسمي للجامع www.jameaalemam.com
يعدّ جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب، الذي تبلغ مساحته أكثر من 175 ألف متر مربع، ويسع 30 ألف مُصلٍّ، أكبر جامع في دولة قطر. افتتح جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب رسميًا في عام 2011، ويتميز بتصميم معماري مستوحى من العمارة التاريخية القطرية ويشبه إلى حد كبير في شكله الخارجي مسجد القبيب مع فرق شاسع في الحجم والمساحة، وله مئذنة واحدة و95 قبة مختلفة الأحجام.
ويضمّ الجامع مصّلى للرجال وآخر للنساء، ومكتبة، ومركزًا لتحفيظ القرآن، ومناطق للوضوء ودورات للمياه، بالإضافة لساحة خارجية شاسعة للصلاة.
جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب من الداخل – الصورة من الموقع الرسمي للجامع www.jameaalemam.com
ويجمع مسجد الإمام محمد بن عبد الوهاب بين الطراز المعماري القطري التقليدي مع أحدث معطيات العصر من تكنولوجيا وأنظمة تحكم ذاتي في تكييف الهواء، ومكافحة الحريق، وأنظمة الصوت، والإنارة، فضلاً عن نظام للبث التلفزيوني.
يقدّم جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب محاضرات ويعقد أنشطة ثقافية جعلت منه أحد أهم المساجد والمعالم في قطر. لمزيد من المعلومات عن جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب، يمكنكم زيارة موقعه الإلكتروني الخاص بالضغط هنا.
المساجد في زمن الوباء
في مارس 2020، وبسبب تفشي جائحة فيروس كورونا (كوفيد -19) أغلقت العديد من الأماكن العامة ومناطق التجمّعات، بما في ذلك المساجد، أبوابها للحدّ من خطر تفشي الجائحة كأحد سبل مكافحتها والقضاء عليها. وقد أثار إغلاق المساجد، أو تعليق صلوات الجُمع والجماعة، الحزن في نفوس أهل قطر، فالمساجد متنفس روحي وبقعة طاهرة تعلّقت بها أفئدة المؤمنين وتحنّ إليها أرواحهم وقلوبهم.
وخلال تلك الفترة العصيبة، تغيّر الأذان المعتاد، وأضيفت إليه "صلّوا في بيوتكم"، وجاء قرار إغلاق المساجد أو تعليق الجماعة والجُمَع فيها متماشيًا مع السنة النبوية المطهّرة التي تبيح إغلاق المساجد مؤقتًا في بعض الحالات حفاظًا على أرواح الناس وفي حالات انعدام الأمن. وبالنسبة لكثير من أهل قطر، كانت هذه هي المرة الأولى التي يسمعون فيها نداء الصلاة الذي يدعوا الناس للصلاة في بيوتهم بدلاً من أن يهرعوا لبيوت الله، الأمر الذي أورث القلوب حزنًا ممزوجًا بالرجاء في أن يكشف الله هذه الغمة ويحفظ الأمة. وعقب ثلاثة أشهر من الإغلاق في قطر، فتحت المساجد أبوابها مرة أخرى، ولكم كان الفرح غامرًا بعودة الحياة لطبيعتها ولو جزئيًا في تلك الفترة، فالحمد لله الذي يسمع الدعاء ويرفع برحمته البلاء.
في الفيديو التالي، يعبّر اللاعب الأمريكي موسى عبد العليم، لاعب كرة السلة بنادي الوكرة الرياضي، عن مدى سعادته وفرحته الغامرة بعد استئناف صلوات الجماعة في المساجد.
هذه الفرحة التي شعر بها وعبّر عنها عبد العليم في الفيديو السابق نابعة من مكانة روحية سامية للمساجد في قلب كل مسلم. سواءً كان تصميمها بسيطًا أو وفخمًا، تحتل بيوت الرحمن مكانة عالية في النفوس ولها أثر عميق لدى أناس تعلّقت قلوبهم بها. ففيها يجد المؤمن راحة قلبه ويناجي ربه، وفيها تطمئن القلوب ويتسلل النور إلى الفؤاد، وتنشرح الصدور.
صلاة الجماعة قبل جائحة كوفيد-19 http://www.jameaalemam.com
صلاة الجماعة أثناء جائحة كوفيد-19 http://www.raya.com
إضافة تعليق جديد