التصوير الاستشراقي: لمحات من مجموعة الصور بمكتبة قطر الوطنية

بقلم: هادية هجو الخليفة
محرر وأخصائي مطبوعات
collage

يشير مصطلح "الاستشراق" إلى تصوير المجتمعات والثقافات الشرقية من قبل الفنانين والعلماء والكتّاب الغربيين. وقد اكتسب هذا المفهوم شهرة واسعة خلال القرن التاسع عشر الميلادي، وهي فترة شهدت توسع الاستعمار الأوروبي واهتمامًا متزايدًا بـدول "الشرق" - وهو مصطلح يُطبق بشكل فضفاض على المناطق التي تشمل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأجزاء من آسيا.

وظهر التصوير الاستشراقي في القرن التاسع عشر الميلادي، بعد الحملات العسكرية الأوروبية على دول المشرق، حيث جذبت الثقافات الشرقية خيال الفنانين والمصورين الغربيين الذين كانوا مفتونين بسحر الشرق الذي ألهم بألوانه وجماله واختلاف بيئته عن الغرب الفنانين والمصورين الغربيين فجاءت صورهم ولوحاتهم مليئة بالألوان الدافئة ويغلب عليها اللونين الأحمر والأصفر وامتزجت في تلك اللوحات الحقيقة بالخيال. وبينما صوّرت بعض الأعمال الفنية الاستشراقية دول المشرق على أنها ساحرة وجميلة، جاءت بعض الأعمال الفنية لتخدم أغراض المستعمر حيث صوّرت المشرق بأنه متخلف ورجعي مثل لوحة "نابليون يزور مرضى الطاعون في يافا" للرسّام أنتوان جان-غرو علمًا بأنه لم يزر الشرق قط في حياته!

وخلال نفس الفترة، اهتمّ فنانون مثل جان-ليون جيروم، وأوجين ديلاكروا، وجون فريدريك لويس برسم لوحات حية تصوّر غالبًا مشاهد من الحياة اليومية لكنها تمتاز بالغرابة والنمطية، وعلى الرغم من الاحتفاء بها لإتقانها الفني، إلا أن هذه الأعمال غالبًا ما انتُقدت لتصويراتها غير الواقعية للحياة الشرقية.

وقد المصورون الفوتوغرافيون، مزودون بأحدث التطورات التكنولوجية، إلى توثيق المناظر الطبيعية والأشخاص والعادات التي صادفتهم في فترة وجودهم في الشرق. وغالبًا ما عكست أعمالهم مزيجًا من الاهتمام الإثنوغرافي والخيال الفني.

ومن أهم العناصر التي كثيرًا ما تكررت في التصوير الاستشراقي عناصر مثل النخيل، والصحراء، والجمال، والسجّاد، والعمائم التي يرتديها الرجال، والثياب الملونة، والشيشة، والمهن الصغيرة والحِرَف، والمرأة الشرقية بشكل خاص وهي ترتدي الخمار أو النقاب والمجوهرات والحرير، وتجمّعات النساء في خدورهن مثل العديد من اللوحات الاستشراقية التي تتمحور حول "الحرملك".  

وبينما قدّم التصوير الاستشراقي للجمهور الغربي إمكانية الوصول البصري إلى أراضٍ بعيدة، ألّا أنه رسّخ في كثير من الأحيان بعض الصور النمطية والديناميكية السلطوية الغربية المتأصلة في الاستعمار. ويشرح كتاب إدوارد سعيد "الاستشراق" (1978) بشكل نقدي كيف أسهمت هذه الأعمال الفنية والصور في تشكيل صورة عن المشرق تميزت بالنمطية والعنصرية تجاه "الآخر".

فيما يلي بعض الأمثلة على التصوير الاستشراقي من مجموعات المكتبة التراثية بمكتبة قطر الوطنية:

Arabia photo

الجزيرة العربية
ويليام هسبند ماكفارلين (نشط خلال الفترة 1850 - 1871م)، مصمم مطبوعات حجرية
طباعة حجرية، حوالي عام 1890م
HC.GM.00014

في القرن التاسع عشر، كان الأوروبيون والغربيون مفتونين بصور المشرق، بما في ذلك صور الجِمال. وكدليل على شعبيتها ظهرت الجِمال في المئات، إن لم يكن الآلاف، من الرسوم التوضيحية والصور، وأصبحت صورة الرجل العربي الذي يركب الجمل في الصحراء ويرتدي ثيابًا تقليدية من الصور التي تحمل طابعًا شاعريًا بالنسبة للثقافات الأجنبية.

فلاح مصريفلاح مصري
ميزون بونفيس (نشط خلال الفترة 1867 - 1909م)
طباعة بتقنية الألبومن، حوالي عام 1880م
HC.HP.2016.0053-0069

تُعدّ هذه الصورة المطبوعة مثالًا نموذجيًا لصورة فوتوغرافية استشراقية توثّق المهن الصغيرة، حيث تُظهر الصورة فلاحًا مصريًا يجلس أمام خلفية اصطناعية ذات عناصر معمارية ونباتية. ويعدّ أستديو ميزون بونفيس، الذي يقع مقرّه في بيروت، أحد أهم الاستوديوهات التجارية وأكثرها إنتاجًا في العالم الإسلامي آنذاك.

turkish woman photoامرأة تركية
أديلفوي زانجاكي (نشط بين ستينيات وتسعينيات القرن التاسع عشر)
طباعة بتقنية الألبومن، حوالي عام 1880م
HC.HP.2016.0053-0127

هذه الصورة هي تمثيل استشراقي نموذجي للسيدة التركية - أو العربية - في استوديوهات شمال إفريقيا، وتعدّ مثل هذه الصور الاستشراقية موضوعًا رائجًا آنذاك في العالم الغربي. وكان الأخوان زانجاكي مصورين تجاريين يونانيين مقيمين في مصر العثمانية وقاما بإنتاج صور ومطبوعات بغرض التسويق للسياحة.

Algerian woman on a camelالجزائر، امرأة على الجمل تحت النخيل
المصور غير معروف
طباعة بتقنية الألبومن، حوالي عام 1890م
HC.HP.2017.0010

كان تصوير المشاهد الشعبية للحياة اليومية العربية موضوعًا متكررًا في الإنتاج الجرافيكي الاستشراقي. وكان تضمين الجمال في الصور أمرًا يعكس معرفة المصور الفوتوغرافي بالطبيعة المحلية. وقبل اختراع التصوير، كانت اللوحات المرسومة غير دقيقة في الغالب في تصوير مشاهد الطبيعة العربية، ولكن بفضل التصوير الفوتوغرافي، رأى عامة الناس في أوروبا صورًا حقيقية للطبيعة العربية وللإبل لأول مرة.

young water carrierحمّال مياه صغير
ألكسندر برينيولي (نشط خلال الفترة 1860 - 1870م)
طباعة بتقنية الألبومن، حوالي عام 1874م
HC.HP.2018.0256-0003

كان تصوير حاملي الماء موضوعًا شائعًا في التصوير الاستشراقي. وكان برينيولي مصورًا فوتوغرافيًا إيطاليًا محترفًا مقيمًا في القاهرة. تتكون أعماله بشكل رئيسي من صور "للسكّان الأصليين"، وبخلاف معظم الأستوديوهات التجارية الموجودة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يبدو أن أعماله كانت تهدف لإلهام الفنانين أكثر من توجيهها لعامة الناس.

a schoolمدرسة محلية
بوغولت ألكسندر (1851 - 1911)
طباعة جيلاتينية فضية، بين عامي 1890 و1915
HC.HP.2017.0001-0007
فلاحات سوريات يصنعن الخبزفلاحات سوريات يصنعن الخبز
 
شركة Photoglob A. C
 طباعة فوتوكرومية، 1890
 HC.HP.2015.0007-0099

 

كان المصور الهنغاري أوتو شوفت يدير أستوديو للتصوير الفوتوغرافي في القاهرة، وقد اشتهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بصوره ذات الأنماط الشرقية. ومثل العديد من المصورين التجاريين الآخرين، قام بإنشاء خلفيات متقنة ورائعة داخل الأستوديو الخاص به باستخدام مواد مختلفة مثل المشغولات الخشبية المنحوتة التي تظهر في هذه الصورة. وكان الهدف هو إنشاء صور تلبي رغبة عملائه في الحصول على مشاهد "أصيلة" من الحياة المصرية.

تفضلوا بزيارة مكتبتنا التراثية لمشاهدة مجموعاتنا الواسعة من الصور الفوتوغرافية، حيث يمكنكم استكشاف صور نادرة وجذابة تقدم رؤى حول التاريخ الغني والتراث الثقافي للمنطقة. ويقدّم المعرض الدائم للمكتبة التراثية فرصة فريدة للتفاعل مع السرد البصري التاريخي من خلال الصور القديمة وغيرها من الأعمال التاريخية التي تُسهم في تعميق فهمنا للماضي.
 

إضافة تعليق جديد