قد تبدو الدراسة في الخارج أقصى أمانينا وأحلامنا، حتى إذا حققناها يتبدى لنا أحد جوانبها السلبية ألا وهو تفويت المشاركة في الاحتفالات والمناسبات الوطنية في بلدنا الحبيب. تلك هي التجربة التي مررت بها أثناء دراستي في شيفيلد عندما لم تتسن لي المشاركة في واحد من أغلى المناسبات على قلبي ألا وهي اليوم الوطني لدولة قطر.
عندما كنت في ربوع الوطن كان ذلك اليوم يشهد حدوث الكثير من الأشياء المثيرة. يبدأ كل شيء في الصباح الباكر بسير المئات من رجال الشرطة وجنود الجيش وطواقم الإنقاذ في مسيرة عسكرية ضخمة بامتداد كورنيشنا الشهير.
عندما تنظر إلى السماء، ترى جنودًا يقفزون من طائرات الهليكوبتر بمظلاتهم. وعندما تصوب بصرك نحو البحر، تلاحظ جنودًا آخرين يعبرون الأمواج بزلاجاتهم النفاثة (الجيت سكي). تسمع الأغاني الوطنية تصدح من مكبرات الصوت في الشوارع، وترى كثيرًا من الحاضرين في العرض العسكري يهتفون بالعبارات الوطنية ويلوحون بالأعلام القطرية. وما يميز هذا الحدث أكثر عندما يسير حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، بموازاة الحشود لتحية الجميع ومشاهدة هذا العرض المبهر. العرض العسكري صورة واحدة من صور عديدة للاحتفالات في قطر. يرتدي الناس في منازلهم ملابس بألوان العلم القطري، ويتزاورون ويحتفلون مع عائلاتهم على طريقتهم الخاصة. لقد ألهمنا ذلك لإقامة نسختنا الخاصة من هذا الاحتفال الجميل في جامعتنا.
من أجل إقامة هذا الاحتفال، احتجنا إلى مساعدة المزيد من الطلاب للتحضير والتنفيذ. كان علينا تشكيل فريق صغير من الزملاء والأصدقاء من مختلف الدول، مثل سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية وباكستان وبلغاريا وميانمار والنرويج. في أقل من شهر نجحنا في تنظيم الفعالية ابتداءً من إعداد الميزانيات إلى طلب الزينة وشحنها من قطر. واجتمعنا قبل الفعالية بيوم واحد لإعداد المكان وتقسيم المهام والأدوار في يوم المناسبة.
في يوم الاثنين 16 ديسمبر 2019، تحقق حلمنا بعد احتفالنا باليوم الوطني لدولة قطر في اتحاد طلاب جامعة شيفيلد. كان هدفنا عرض ثقافتنا وتقاليدنا وقيمنا القطرية أمام الطلاب من مختلف الدول، بل وأعضاء هيئة التدريس الذين زاروا مكان الفعالية. نظمنا الاحتفال على هيئة الجناح لنتمكن من تقديم تجربة استثنائية ومتميزة لزوارنا. في البداية كان الترحيب بالزائرين عند دخولهم في محطة الضيافة وذلك بتقديم القهوة القطرية والتمر والحَردة (الطحينة) والحلوى التقليدية ورائحة ماء الورد التي قدمت لضيوفنا كهدية ترحيبية.
وبعد ذلك، يأتي الزوار إلى كشك المعرفة القطري، الذي يتكون من لوحة تفاعلية تحمل معلومات وطنية مختلفة مثل العملة وأشهر الحيوانات والنباتات، كما كانت هناك خريطة خشبية لقطر صنعها أحد أعضاء الفريق الموهوبين إلى جانب لوحات وصور تصف التطور الذي شهدته قطر بمرور السنين ابتداءً من القطريين الذين عملوا غواصين بحثًا عن اللؤلؤ وبناةً للسفن في البحر إلى افتتاح المترو الجديد. وعرضنا بعض الملابس التقليدية مثل الثوب الرجالي، والعباية، والغترة، وثوب النشل.
كما وضعنا لوحة أخرى قريبة مخصصة لعرض إنجازات قطر في مجال الرياضة مثل فوز قطر الأخير بكأس آسيا، وعرض صور الرياضيين القطريين الذين حطموا الأرقام القياسية العالمية مثل معتز برشم. وسلطنا الضوء كذلك على عمليات التحضير والاستعداد في قطر لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022، مع إبراز دور السيد حسن الذوادي، الأمين العام للجنة العليا للمشاريع والإرث المسؤولة عن تنظيم البطولة، وهو أيضًا خريج كلية الحقوق من جامعة شيفيلد. ولحسن الحظ كان عرض إنجازات السيد حسن مصدر إلهام لطلاب الجامعة الذين تعرفوا على خريج زميل من الجامعة ذاتها حقق إنجازات دولية.
وبجوار ركن الإنجازات الرياضية، أقمنا كشكًا صغيرًا للحناء للاحتفاء بتقاليدنا الوطنية في وضع رسومات الحناء خلال الاحتفالات. واستمتع زوارنا برسوم الحناء الجميلة التي صمَّمَها أحد أعضاء فريقنا الموهوبين كصورة من صور الاحتفال الذي ابتدعه أسلافنا.
وأقمنا ركنًا للأطعمة والمشروبات التقليدية، حرصًا منا على إبراز أخلاق الكرم وحسن الضيافة عند القطريين من خلال تقديم الأطباق والمشروبات الوطنية المختلفة. وأعددنا العديد من المشروبات الساخنة التي تضمنت الشاي التقليدي بماء الورد والزعفران وشاي الكرك بالزعفران والتوابل القطرية مثل القرنفل والهيل بجانب مشروب بارد يسمى "فيمتو" يُقدَّم عادة في بريطانيا خلال شهر رمضان المبارك مع الثلج.
تضم قائمة الأطعمة العديد من الأكلات منها واحدة من وجباتنا المدرسية الخفيفة من شرائح البطاطس العمانية وشطائر الجُبن الملفوفة، مع أكلة "بلاليط" وهي شعرية مع البيض المالح المغطى بالزعفران والهيل، وأكلة "اللقيمات"، وهي عبارة عن عجينة مقلية مغطاة بشراب التمر.
بعد الاستمتاع بالأطباق والمشروبات التقليدية، يصل زوارنا إلى محل الهدايا الذي كان يحتوي على العديد من الهدايا التذكارية التي جلبناها من قطر، وكان من هذه الهدايا التذكارية أقلام جافة وأقلام رصاص ودبابيس وأساور تحمل العلم القطري. وحرصنا كذلك على توفير كمية سخية من رقائق "بفكي" القطرية الشهيرة (ذرة هشة لولبية بنكهات مختلفة). وفي الختام، لنترك ذكرى دائمة بهذا اليوم الرائع، علقنا ملصقًا ضخمًا كتب فيه زوارنا عن تجربتهم معنا.
في نهاية هذا الاحتفال الناجح، أدركت أنه بوسعنا دومًا الاحتفال باليوم الوطني لدولة قطر من خلال عرض ثقافة قطر وتراثها وإنجازاتها. تلك كانت طريقتنا في الاحتفال باليوم الوطني والتعبير عن حبنا لقطر.
إضافة تعليق جديد